سيّدة لها ابنة وحيدة تصغر أخاها الكبير ببضع سنوات. تعرّفت تلك السيّدة إلى القدّيس نكتاريوس بواسطة كاهن رعيّتها الذي أخبرها الكثير الكثير عن شفيعه، فأحبّت القدّيس كثيرًا، وراحت تطلب عونه في صلواتها يوميًّا، وأحضرت سيرة حياته لتطالعها بشغف بين الحين والآخر.
كان الوقت مساء، وكلّ شيء هادئ في البيت، فهي تعدّ وجبة الطعام، وابنتها الشابّة تدرس في غرفتها الخاصّة بينما كان زوجها لا يزال في عمله، وابنها في الجامعة.
فجأة دوّى صوت انفجار تزلزلت له أساسات البناية التي كانت تقطنها، وتلاه صوت تكسير زجاج النافذة في غرفة ابنتها ينذر بحادث خطير.
نعم، إنّه انفجار عبوة قريب من منزلها. هلع قلب الأمّ، وركضت لا تلوي على شيء، واندفعت داخل الغرفة، فإذا بها تفاجأ بابنتها شاحبة الوجه وسط الزجاج المتناثر، ولكنّها كانت سليمة. هرعت الفتاة لترتمي بين ذراعي والدتها تسكب دموع العرفان والشكر للذي أنقذها بشفاعته من موت محتَّم.
مشيرة إلى أيقونة صغيرة حديديّة للقدّيس نكتاريوس كانت قد علّقتها على صدرها. نعم، لقد دخلت شظيّة في الأيقونة، فاستقرّت فيها ولم تستطع أن تخترقها لتصل إلى قلب الفتاة لتوقف مجاري الحياة فيها. وفي اللحظة عينها اختفى كتاب سيرة القدّيس عن الطاولة من دون أن يترك له أثرًا، وذلك تأكيد أنّه صاحب المعجزة من دون شكّ.
شكرت العائلة الله وقدّيسه العظيم، ونذروا نذرًا أن يزوروا دير القدّيس في إيينا حيث تربض رفاته الطاهرة، وهكذا كان.
الشرطي غير المؤمن:
خدم جنديّته في جزيرة إيينا عندما كان لا يزال القدّيس ينعم بالحياة. لم يفتأ القدّيس عن القول له بأنّه يوجد إله، وبأنّه يجب أن يؤمن به، وأن يتوب، وأن يعترف، وأن يتناول القدسات الإلهيّة، وأن يتردّد على الكنيسة باستمرار. لكنّ هذا الكلام كان يدخل الأذن اليمنى للجنديّ ليخرج من اليسرى دون أدنى تأثّر أو فائدة.
نُقل هذا الجنديّ بعد فترة إلى مكدونيا حيث بقي مدّة اثنتي عشرة سنة عاد بعدها إلى أيينا. وفيما هو يتنزّه يومًا على شاطئ الجزيرة صادف القدّيس نكتاريوس الذي كان قد رقد من دون أن يعرف ذلك الجنديّ. فهرع إلى لقائه ونيل بركته. ثمّ توجّه بعد ذلك إلى المقهى ليلتقي بأصدقائه ومعارفه القدامى. فقال لواحد منهم:
– لقد التقيت الآن، وأنا في طريقي إلى المقهى، برئيس الدير، ولقد تأثّرت جدًّا بلقائه، وبأنّه لا يزال حيًّا بعد مرور كلّ هذه السنوات.
– عن أيّ رئيس تتكلّم؟
– عن رئيس دير الثالوث القدّوس، عن الأسقف نكتاريوس.
– ولكنّه رقد منذ ثلاث سنوات.
– ماذا تقول؟ رقد قبل ثلاث سنوات؟ ولكنّي صادفته قبل قليل على الطريق، وتكلّمنا كثيرًا، وردّد عليّ مقولته المشهورة: “يجب أن تتوب وأن تعترف”.
شمل الجميعَ الخوفُ والانذهال معًا، وبخاصّة هذا الجنديّ الذي ظهر له القدّيس محذّرًا إيّاه على توانيه، وطالبًا منه العمل على خلاص نفسه. فانطلق ا
لجنديّ، في الحال، إلى الدير، ليسجد ويتبرّك من بقايا القدّيس، واعدًا الربّ، وقدّيسه، بالتوبة والسلوك الحسن.
يا قديس الله تشفع فينا…
اضف رد