افرحي يا أورشليم، هوذا ملككِ

Palm-Sunday-Donkey.4
[مقتطفات من إلهامات الروح للآباء عن دخول المسيح أورشليم. اقرأ مت 21: 1-11، مع ملاحظة أن اقتباسات الآباء من العهد القديم هي حسب الترجمة السبعينية].

المعنى السرِّي لدخول الرب أورشليم:

+ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
عندما أرسل الرب تلميذيه ليُحضِرا الأتان والجحش، أخبرهما مُسبقاً أنه لن يعترضهما أحد. لقد حثَّ الرب (سرّاً) أُناساً لم يعرفوه قط ولم يكن قد رآهم أن يُسلِّموا ما يمتلكونه بدون أية كلمة، وذلك بواسطة تلميذيه، في حين أن معظم اليهود رفضوا أن يطيعوه عندما صنع العجائب والمعجزات أمامهم.

لا تنظروا إلى هذا الأمر كأنه قليل الأهمية، لأنه مَن هو الذي استحثهم على عدم معارضة التلاميذ عندما أخذوا منهم ما يملكون، وهم فقراء وفلاحون، بل حتى ولا أجابوا على ردِّ التلميذَين بأن الرب محتاجٌ إليهما إلاَّ بالصمت والخضوع، ولا سيما وهم لم يروا الرب نفسه، بل تلميذيه فحسب؟ وهكذا يُعلِّمنا الرب أنه كان يمكنه أن يكبح جماح اليهود، ولو حتى ضد إرادتهم، عندما كانوا مزمعين أن يضعوا أيديهم عليه، وأن يبتليهم بالعمى أو الخرس، ولكنه لم يشأ ذلك. ومن هذا يُعلِّم أيضاً تلاميذه أنه مهما طلب منهم يعطوه ولو حياتهم نفسها، لأنه إن كان الذين لم يعرفوه أطاعوه، فكم بالحري أتباعه!

إن الرب بركوبه على جحش يُتمِّم نبوَّتين:
الأولى
نبوَّة زكريا: «هوذا ملكُكِ يأتي إليكِ… وهو وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان» (زك 9: 9)؛
والثانية التي أخبر فيها أنبياءه بدعوة الأمم غير الطاهرين، وأنهم سيأتون إليه ويتبعونه، وأنه سيجد راحته فيهم (لأن الحمار كان من الحيوانات غير الطاهرة حسب الناموس، ولذلك فهو هنا يرمز إلى الأمم). وهكذا فإن تحقيق إحدى النبوَّات يُفسِح المجال لتحقيق الأخرى.

ويشير الجحش إلى الشعب الجديد الذي كان قبلاً نجساً، ولكنه صار طاهراً بمجرد أن ارتاح الرب يسوع عليه. وكما أن التلاميذ هم الذين حلُّوا الدابتين، هكذا بواسطة التلاميذ أيضاً دُعينا نحن (الأمم) وهم (اليهود) إلى الإيمان، وبواسطة الرسل جيء بنا كلينا إلى الرب يسوع. وبسبب أن مجد دعوتنا قد جعل اليهود يَغارون،

هكذا وُجدت الأتان تابعة للجحش، لأنه بعد أن أُجلِسَ المسيح على قلوب الأُمم سيأتي اليهود أيضاً مدفوعين بالغيرة، وهو ما قاله بولس الرسول: «إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم، وهكذا سيخلُص جميع إسرائيل» (رو 11: 26،25). وواضح أن هذه نبوَّة، وإلاَّ لما كان زكريا النبي اهتم بأن يذكر «أتان وجحش ابن أتان».

ويُعطينا الرب هنا أيضاً مثالاً حكيماً لحياتنا اليومية، فبالإضافة إلى الأمثلة العديدة لفقره وعوزه، يُظهِر لنا أنه لا داعي لأن يمتطي جواداً، بل يكفيه حمارٌ. فنحن في أي مكان ينبغي أن نقنع بما يكفي لاحتياجنا.

لم يستقل الرب مركبة كالملوك الآخرين، ولا طلب تعظيماً من الناس، ولا أن يلتفَّ حوله الضباط والحرَّاس، وفي هذا أيضاً يُظهِر الوداعة. وهنا اسألوا اليهود: أيُّ ملكٍ حدث قط أن دخل أورشليم راكباً على أتان؟ فلا يمكنهم أن يُخبِروا عن أحدٍ فعل ذلك سوى الرب!

ابتهجي جداً، واهتفي، هوذا ملكُكِ:

+ في قولٍ جميل يقول العلاَّمة أوريجانوس:
تقول نبوَّة زكريا النبي الجديرة بالاعتبار: «ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي بالفرح يا بنت أورشليم. هوذا ملككِ يأتي إليكِ، وهو العادل والمُخلِّص، وديع وراكب على أتان وجحش ابن أتان» (زك 9: 9 حسب الترجمة السبعينية).

أتريد أن تتعلَّم من النبي لماذا ينبغي على ابنة صهيون أن تبتهج لأجل الأمور التي أُنبئت بها؟ اسمعه يقول: «لأنه سيقطع المركبة من أفرايم والفرس من أورشليم، وقوس الحرب ستُقطع، وسيتكلَّم بـالسلام للأُمم وسلطانه مـن البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. وأنتِ أيضاً فإني بـدم عهدكِ قد أَطلقتُ أسراكِ من الجب الذي ليس فيه ماء. ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء» (زك 9: 10-12).

ولكن لماذا ينبغي أن تبتهج ابنة صهيون جداً وتهتف بنت أورشليم فرحاً في حين أن الرب بكى على أورشليم قائلاً: «يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردتُ أن أجمع أولادكِ كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا» (لو 13: 34)!! (وهو إنجيل جمعة ختام الصوم) .

فربما يقصد ببنات أورشليم، أولئك السمائيين الذين ذكرهم الرسول بولس: «قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السمائية، وإلى صحبة ربوات لا تُحصَى من الملائكة» (عب 12: 22 – ترجمة حديثة).

لأجل هذا السبب، ولأجل الأحداث الأخرى التي صاحبت ذلك، يليق بابنة صهيون أن تبتهج جداً وأن تهتف بنت أورشليم فرحاً، لأن ملكها أتى إليها وهو عادلٌ ومنقذٌ للمزمعين أن يحصلوا على الخلاص.

لقد جاء إلى أورشليم وديعاً، ومُحطِّماً مركبات أفرايم التي تشبَّه بمركبات فرعون التي ألقاها مع جيشها في البحر

(خر 15: 4). لقد قطع الفرس وكسر قوس الحرب من أورشليم لكي يعدَّ سلاماً لإسرائيل مستعيداً غنم رعيته التي فُقدت، مُرجِعاً إليه أولاد أورشليم الذين طُرحوا خارجاً. وحينئذ عندما تأتي أعداد هائلة من الأُمم أيضاً إلى الإيمان ويحصلون على الخلاص والسلام، فإن المخلِّص سيملك «من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض».

وماذا عن ثياب التلاميذ والشعب، وأغصان الشجر؟

+ يقول القديس جيروم:
كان الجحش والأتان عريانين قبل مجيء المخلِّص، فقاسيا من البرد، واهتم الكثيرون بامتلاكهما، ولكنهما بعد أن تغطَّيا بثياب الرسولين وصارا أكثر جاذبية صار لهما الرب نفسه راكباً عليهما.

وثياب الرسل تشير إلى تعاليمهم عن الفضائل الإنجيلية التي إن لم ترتديها النفس وتتزيَّن بها لا يمكنها أن تؤهَّل لأن يجلس الرب يسوع فيها.

+ ويقول القديس ذهبي الفم:
لقد جلس الرب على الجحش بعد أن غطَّاه الرسولان بثيابهما، لأنهما بعد أن وجدا الجحش سلَّما كـل شيء كما قال الرسول: «أما أنـا فبكل سرور أُنفِق وأُنفَق لأجل نفوسكم» (2كو 12: 15).

ولكن لاحِظ أن اليهود رغم كل العجائب التي صنعها الرب، لما رأوا الجموع محتشدة اندهشوا: «ولما دخلوا أورشليم، ارتجَّت المدينة كلها قائلة: مَن هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل» (مت 21: 11،10). ولما سمعوا هتاف الشعب «قالوا له: يا معلم، انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء، فالحجارة تصرخ» (لو 19: 40،39).

وبالإضافة إلى تحقيقه للنبوَّات، أراد بذلك أن يُعزِّي تلاميذه الذين سيحزنون بسبب موته، موضِّحاً لهم أنه سيتألم بحرية إرادته.

ولنفعل نحن أيضاً تلك الأمور نفسها. فلنصرخ بالتسبيح، ولنُعطِ ثيابنا للذين يحملون الرب. لأننا بماذا سنوجد مستحقين عندما يُغطِّي آخرون الجحش الذي جلس عليه الرب بثيابهم وآخرون يفرشون ثيابهم تحت قدميه، بينما نحن نتركه عرياناً في أولئك الذين يحتاجون إلى القليل من ثيابنا؟ إنهم يسيرون قدَّامه ويتبعونه من ورائه، بينما نحن إذا هو اقترب منَّا نصدُّه عنا. أيها الأحباء، دعونا نفتح عيوننا ونكون يقظين.

إنني خجل أن أتكلَّم عن الصدقة إذ تكلَّمتُ عنها كثيراً، ولكن كلامي لم يثمر كثيراً. إنني أرى أنكم تزرعون بالشح، لذلك أخاف أنكم لن تحصدوا إلاَّ بالشح أيضاً!

ولكي تعرفوا عدم إنسانية بعض الأغنياء، في حين أن دخل الكنيسة لا يساوي إلاَّ دخل واحد منهم فقط. فكِّروا كم من الأرامل وكم من العذارى تعولهم الكنيسة، لقد وصل عددهم الآن إلى ثلاثة آلاف (هذا حدث أيام ذهبي الفم في مدينة واحدة، أفلا يُخجلنا هذا الكلام الآن)! هذا بالإضافة إلى المحتاجين الذين يطرقون أبوابنا يومياً، والذين في السجون، والمرضى في المستشفيات، والغرباء، والمعوَّقين بالعاهات، وأيضاً الذين يخدمون المذبح. فلو وُجد عشرة أغنياء فقط مستعدون ليعطوا ما في وسعهم لما وُجد فقير واحد. إن مدينتنا هذه تستطيع بنعمة الله أن تعول فقراء عشر مدن!

لاحِظ مقدار ما تصرفه أسرة واحدة في عيد واحد أو وليمة واحدة دون أن تعبأ بمقدار ما تصرفه، فلو أن واحداً من الأغنياء فعل هذا في خدمة الفقراء لكان في لحظات قليلة يمسك السماء بيديه! إنني لا أسألكم أن تعطوا من رؤوس أموالكم بل أن تُشرِكوا الفقراء في أرباحكم. فكونوا وكلاء صالحين فيما أعطاكم الله.

وإذا كنتم تغطُّون مثلاً احتياجات الرجال الذين يُحاربون عنكم ضد البرابرة، فيوجد هنا أيضاً جيش من الفقراء يخوض حرباً نيابة عنكم، لأنكم عندما تعطونهم يربحون لكم بصلواتهم نعمة من الله، وباسترضائهم له يصدُّون عنكم، ليس فقط اعتداء البرابرة، بل الشياطين!!

فدعونا نوظِّف أموالنا في هذا المشروع الذي يستحق ذلك لكي نأخذ الربح معنا عندما نرحل من هذه الحياة، كما نُبقي منه لأولادنا. وبذلك سنبلغ إلى الأمور العتيدة بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح.

نشيد دخول الملك:

+ يقول القديس جيروم:
مزمور 118 الذي كُتب خصيصاً لأجل مجيء المخلِّص، نقرأ فيه: «الحجر الذي رذله البنَّاؤون قد صار رأساً للزاوية، من قِبَل الرب كان هـذا وهو عجيب في أعيننا. هذا هـو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ولنبتهج فيه. يا رب خلِّص الآن، يا رب سهِّل سبلنا. مبارك الآتي باسم الرب» (مز 118: 22-26).

وفي اللغة العبرية نجد كلمة: «يا رب خلِّص» هكذا: ”أنَّا أدوناي أو سيانَّا“ التي فسرتها ترجمة سيماخوس (وأخذت عنها طبعة King James الإنجليزية) هكذا: «أتوسل إليك يا رب خلِّصنا، أتوسل إليك». وهذا يعني أن مجيء المسيح هو خلاص للعالم: «لم آتِ لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم» (يو 12: 47)، «ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابـن مخلِّصاً للعالم» (1يو 4: 14).

+ ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
«الذين تقدَّموا» يشيرون إلى الذين سبقوا أن هلَّلوا للمسيح الذي سيأتي (في العهد القديم)، و«الذين تبعوا» يُسبِّحون مهلِّلين لمجيء المسيح الذي تمَّ الآن.

Comments

comments

  • Palm-Sunday-Donkey.4

    افرحي يا أورشليم، هوذا ملككِ

    [مقتطفات من إلهامات الروح للآباء عن دخول المسيح أورشليم. اقرأ مت 21: 1-11، مع ملاحظة أن اقتباسات الآباء من العهد القديم هي حسب الترجمة السبعينية].

    المعنى السرِّي لدخول الرب أورشليم:

    + يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
    عندما أرسل الرب تلميذيه ليُحضِرا الأتان والجحش، أخبرهما مُسبقاً أنه لن يعترضهما أحد. لقد حثَّ الرب (سرّاً) أُناساً لم يعرفوه قط ولم يكن قد رآهم أن يُسلِّموا ما يمتلكونه بدون أية كلمة، وذلك بواسطة تلميذيه، في حين أن معظم اليهود رفضوا أن يطيعوه عندما صنع العجائب والمعجزات أمامهم.

    لا تنظروا إلى هذا الأمر كأنه قليل الأهمية، لأنه مَن هو الذي استحثهم على عدم معارضة التلاميذ عندما أخذوا منهم ما يملكون، وهم فقراء وفلاحون، بل حتى ولا أجابوا على ردِّ التلميذَين بأن الرب محتاجٌ إليهما إلاَّ بالصمت والخضوع، ولا سيما وهم لم يروا الرب نفسه، بل تلميذيه فحسب؟ وهكذا يُعلِّمنا الرب أنه كان يمكنه أن يكبح جماح اليهود، ولو حتى ضد إرادتهم، عندما كانوا مزمعين أن يضعوا أيديهم عليه، وأن يبتليهم بالعمى أو الخرس، ولكنه لم يشأ ذلك. ومن هذا يُعلِّم أيضاً تلاميذه أنه مهما طلب منهم يعطوه ولو حياتهم نفسها، لأنه إن كان الذين لم يعرفوه أطاعوه، فكم بالحري أتباعه!

    إن الرب بركوبه على جحش يُتمِّم نبوَّتين:
    الأولى
    نبوَّة زكريا: «هوذا ملكُكِ يأتي إليكِ… وهو وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان» (زك 9: 9)؛
    والثانية التي أخبر فيها أنبياءه بدعوة الأمم غير الطاهرين، وأنهم سيأتون إليه ويتبعونه، وأنه سيجد راحته فيهم (لأن الحمار كان من الحيوانات غير الطاهرة حسب الناموس، ولذلك فهو هنا يرمز إلى الأمم). وهكذا فإن تحقيق إحدى النبوَّات يُفسِح المجال لتحقيق الأخرى.

    ويشير الجحش إلى الشعب الجديد الذي كان قبلاً نجساً، ولكنه صار طاهراً بمجرد أن ارتاح الرب يسوع عليه. وكما أن التلاميذ هم الذين حلُّوا الدابتين، هكذا بواسطة التلاميذ أيضاً دُعينا نحن (الأمم) وهم (اليهود) إلى الإيمان، وبواسطة الرسل جيء بنا كلينا إلى الرب يسوع. وبسبب أن مجد دعوتنا قد جعل اليهود يَغارون،

    هكذا وُجدت الأتان تابعة للجحش، لأنه بعد أن أُجلِسَ المسيح على قلوب الأُمم سيأتي اليهود أيضاً مدفوعين بالغيرة، وهو ما قاله بولس الرسول: «إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم، وهكذا سيخلُص جميع إسرائيل» (رو 11: 26،25). وواضح أن هذه نبوَّة، وإلاَّ لما كان زكريا النبي اهتم بأن يذكر «أتان وجحش ابن أتان».

    ويُعطينا الرب هنا أيضاً مثالاً حكيماً لحياتنا اليومية، فبالإضافة إلى الأمثلة العديدة لفقره وعوزه، يُظهِر لنا أنه لا داعي لأن يمتطي جواداً، بل يكفيه حمارٌ. فنحن في أي مكان ينبغي أن نقنع بما يكفي لاحتياجنا.

    لم يستقل الرب مركبة كالملوك الآخرين، ولا طلب تعظيماً من الناس، ولا أن يلتفَّ حوله الضباط والحرَّاس، وفي هذا أيضاً يُظهِر الوداعة. وهنا اسألوا اليهود: أيُّ ملكٍ حدث قط أن دخل أورشليم راكباً على أتان؟ فلا يمكنهم أن يُخبِروا عن أحدٍ فعل ذلك سوى الرب!

    ابتهجي جداً، واهتفي، هوذا ملكُكِ:

    + في قولٍ جميل يقول العلاَّمة أوريجانوس:
    تقول نبوَّة زكريا النبي الجديرة بالاعتبار: «ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي بالفرح يا بنت أورشليم. هوذا ملككِ يأتي إليكِ، وهو العادل والمُخلِّص، وديع وراكب على أتان وجحش ابن أتان» (زك 9: 9 حسب الترجمة السبعينية).

    أتريد أن تتعلَّم من النبي لماذا ينبغي على ابنة صهيون أن تبتهج لأجل الأمور التي أُنبئت بها؟ اسمعه يقول: «لأنه سيقطع المركبة من أفرايم والفرس من أورشليم، وقوس الحرب ستُقطع، وسيتكلَّم بـالسلام للأُمم وسلطانه مـن البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. وأنتِ أيضاً فإني بـدم عهدكِ قد أَطلقتُ أسراكِ من الجب الذي ليس فيه ماء. ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء» (زك 9: 10-12).

    ولكن لماذا ينبغي أن تبتهج ابنة صهيون جداً وتهتف بنت أورشليم فرحاً في حين أن الرب بكى على أورشليم قائلاً: «يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردتُ أن أجمع أولادكِ كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا» (لو 13: 34)!! (وهو إنجيل جمعة ختام الصوم) .

    فربما يقصد ببنات أورشليم، أولئك السمائيين الذين ذكرهم الرسول بولس: «قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السمائية، وإلى صحبة ربوات لا تُحصَى من الملائكة» (عب 12: 22 – ترجمة حديثة).

    لأجل هذا السبب، ولأجل الأحداث الأخرى التي صاحبت ذلك، يليق بابنة صهيون أن تبتهج جداً وأن تهتف بنت أورشليم فرحاً، لأن ملكها أتى إليها وهو عادلٌ ومنقذٌ للمزمعين أن يحصلوا على الخلاص.

    لقد جاء إلى أورشليم وديعاً، ومُحطِّماً مركبات أفرايم التي تشبَّه بمركبات فرعون التي ألقاها مع جيشها في البحر

    (خر 15: 4). لقد قطع الفرس وكسر قوس الحرب من أورشليم لكي يعدَّ سلاماً لإسرائيل مستعيداً غنم رعيته التي فُقدت، مُرجِعاً إليه أولاد أورشليم الذين طُرحوا خارجاً. وحينئذ عندما تأتي أعداد هائلة من الأُمم أيضاً إلى الإيمان ويحصلون على الخلاص والسلام، فإن المخلِّص سيملك «من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض».

    وماذا عن ثياب التلاميذ والشعب، وأغصان الشجر؟

    + يقول القديس جيروم:
    كان الجحش والأتان عريانين قبل مجيء المخلِّص، فقاسيا من البرد، واهتم الكثيرون بامتلاكهما، ولكنهما بعد أن تغطَّيا بثياب الرسولين وصارا أكثر جاذبية صار لهما الرب نفسه راكباً عليهما.

    وثياب الرسل تشير إلى تعاليمهم عن الفضائل الإنجيلية التي إن لم ترتديها النفس وتتزيَّن بها لا يمكنها أن تؤهَّل لأن يجلس الرب يسوع فيها.

    + ويقول القديس ذهبي الفم:
    لقد جلس الرب على الجحش بعد أن غطَّاه الرسولان بثيابهما، لأنهما بعد أن وجدا الجحش سلَّما كـل شيء كما قال الرسول: «أما أنـا فبكل سرور أُنفِق وأُنفَق لأجل نفوسكم» (2كو 12: 15).

    ولكن لاحِظ أن اليهود رغم كل العجائب التي صنعها الرب، لما رأوا الجموع محتشدة اندهشوا: «ولما دخلوا أورشليم، ارتجَّت المدينة كلها قائلة: مَن هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل» (مت 21: 11،10). ولما سمعوا هتاف الشعب «قالوا له: يا معلم، انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء، فالحجارة تصرخ» (لو 19: 40،39).

    وبالإضافة إلى تحقيقه للنبوَّات، أراد بذلك أن يُعزِّي تلاميذه الذين سيحزنون بسبب موته، موضِّحاً لهم أنه سيتألم بحرية إرادته.

    ولنفعل نحن أيضاً تلك الأمور نفسها. فلنصرخ بالتسبيح، ولنُعطِ ثيابنا للذين يحملون الرب. لأننا بماذا سنوجد مستحقين عندما يُغطِّي آخرون الجحش الذي جلس عليه الرب بثيابهم وآخرون يفرشون ثيابهم تحت قدميه، بينما نحن نتركه عرياناً في أولئك الذين يحتاجون إلى القليل من ثيابنا؟ إنهم يسيرون قدَّامه ويتبعونه من ورائه، بينما نحن إذا هو اقترب منَّا نصدُّه عنا. أيها الأحباء، دعونا نفتح عيوننا ونكون يقظين.

    إنني خجل أن أتكلَّم عن الصدقة إذ تكلَّمتُ عنها كثيراً، ولكن كلامي لم يثمر كثيراً. إنني أرى أنكم تزرعون بالشح، لذلك أخاف أنكم لن تحصدوا إلاَّ بالشح أيضاً!

    ولكي تعرفوا عدم إنسانية بعض الأغنياء، في حين أن دخل الكنيسة لا يساوي إلاَّ دخل واحد منهم فقط. فكِّروا كم من الأرامل وكم من العذارى تعولهم الكنيسة، لقد وصل عددهم الآن إلى ثلاثة آلاف (هذا حدث أيام ذهبي الفم في مدينة واحدة، أفلا يُخجلنا هذا الكلام الآن)! هذا بالإضافة إلى المحتاجين الذين يطرقون أبوابنا يومياً، والذين في السجون، والمرضى في المستشفيات، والغرباء، والمعوَّقين بالعاهات، وأيضاً الذين يخدمون المذبح. فلو وُجد عشرة أغنياء فقط مستعدون ليعطوا ما في وسعهم لما وُجد فقير واحد. إن مدينتنا هذه تستطيع بنعمة الله أن تعول فقراء عشر مدن!

    لاحِظ مقدار ما تصرفه أسرة واحدة في عيد واحد أو وليمة واحدة دون أن تعبأ بمقدار ما تصرفه، فلو أن واحداً من الأغنياء فعل هذا في خدمة الفقراء لكان في لحظات قليلة يمسك السماء بيديه! إنني لا أسألكم أن تعطوا من رؤوس أموالكم بل أن تُشرِكوا الفقراء في أرباحكم. فكونوا وكلاء صالحين فيما أعطاكم الله.

    وإذا كنتم تغطُّون مثلاً احتياجات الرجال الذين يُحاربون عنكم ضد البرابرة، فيوجد هنا أيضاً جيش من الفقراء يخوض حرباً نيابة عنكم، لأنكم عندما تعطونهم يربحون لكم بصلواتهم نعمة من الله، وباسترضائهم له يصدُّون عنكم، ليس فقط اعتداء البرابرة، بل الشياطين!!

    فدعونا نوظِّف أموالنا في هذا المشروع الذي يستحق ذلك لكي نأخذ الربح معنا عندما نرحل من هذه الحياة، كما نُبقي منه لأولادنا. وبذلك سنبلغ إلى الأمور العتيدة بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح.

    نشيد دخول الملك:

    + يقول القديس جيروم:
    مزمور 118 الذي كُتب خصيصاً لأجل مجيء المخلِّص، نقرأ فيه: «الحجر الذي رذله البنَّاؤون قد صار رأساً للزاوية، من قِبَل الرب كان هـذا وهو عجيب في أعيننا. هذا هـو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ولنبتهج فيه. يا رب خلِّص الآن، يا رب سهِّل سبلنا. مبارك الآتي باسم الرب» (مز 118: 22-26).

    وفي اللغة العبرية نجد كلمة: «يا رب خلِّص» هكذا: ”أنَّا أدوناي أو سيانَّا“ التي فسرتها ترجمة سيماخوس (وأخذت عنها طبعة King James الإنجليزية) هكذا: «أتوسل إليك يا رب خلِّصنا، أتوسل إليك». وهذا يعني أن مجيء المسيح هو خلاص للعالم: «لم آتِ لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم» (يو 12: 47)، «ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابـن مخلِّصاً للعالم» (1يو 4: 14).

    + ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
    «الذين تقدَّموا» يشيرون إلى الذين سبقوا أن هلَّلوا للمسيح الذي سيأتي (في العهد القديم)، و«الذين تبعوا» يُسبِّحون مهلِّلين لمجيء المسيح الذي تمَّ الآن.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد
  • بطرس وبولس

    أوجه الاختلاف بين الرسولين بطرس وبولس

    1 – من جهة العلم:

    قيل عن بطرس ويوحنا ( إنسانان عديما العلم وعاميان) أي لم يتخرجا من معاهد يهودية عليا ( أع 4 : 13 ).
    ولكن بولس تربي عند قدمي ( غمالائيل ) ( أع 22 : 3 ) ( أع 26 : 24 أنت تهذي يا بولس الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان)
    2 – من ناحية الزواج والبتولية :

    بطرس كان متزوجاً ولكن بولس كان بتولاً (1كو9: 5 ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا) ( لو 4 : 38 ) ( 1كو7 : 8 )

     

    3 – ميدان الكرازة:

    (بطرس رسول الختان) أي يكرز بين اليهود ولكن بولس رسول الغرلة أي يكرز بين الأمم ( غلا 2 : 7 )
    ملاحظة: لم تقتصر خدمة بطرس علي اليهود ولقد آمن علي يديه كرنيليوس ( أع 10 ) وكذلك بولس الرسول لم تقتصر خدمته علي الأمم ( أع 9 : 15 فقال له الرب اذهب لان هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمموملوكوبني إسرائيل) (1كو9: 20 فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود) وكتب أيضاً رسالته إلى العبرانيين.
    4 – طريقه الاستشهاد

    بطرس صلب منكس الرأس يو21 قال له يسوع ارع غنمي.. متى شخت فانك تمد يديك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء قال هذا مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يمجد الله بها.
    أما بولس الرسول فقطعت رأسه لأنه كان يتمتع بالجنسية الرومانية (أع22 : 25-28 فجاء الأمير وقال له قل لي أنت روماني فقال نعم)، (أع16: 37)

    Comments

    comments

  • قصة أيقونة العذراء المطعونة

    قصة أيقونة العذراء المطعونة

    توجد هذه الأيقونة في دير فاتوبيذي Ιερά Μονή Βατοπεδίου (دغل الفتى) في جبل آثوس.

    في نفس الدير أي دير فاتوبيذي توجد هذه الأيقونة في الدهليز المؤدي من كنيسة القديس ديمتريوس إلى الكنيسة الكبرى.

    سبب تسمية هذه الأيقونة بالمطعونة هو أنّه في أحد الأيام أبطئ مرة الشماس القندلفت بسبب انشغاله في تنظيف الكنيسة وأتى إلى المائدة بعد الجميع طالبًا غذاءه. فرفض المسؤول عن المائدة أن يعطيه منبّهًا إياه على وجوب الحضور في الوقت المحدد لأنه هكذا تفترض الحياة المشتركة. (هذه الحادثة تكررت عدّة مرات).

    فانفعل الشماس وعاد إلىِ الكنيسة وتلفّظ وهو في حالة من الغضب أمام الأيقونة بهذه الكلمات: “يا والدة الإله حتى متى أخدمك؟ إني أتعب وأتعب وليس لدي شيء حتى ولا كسرة خبز تشددُ قوايَ المنهوكة”.
    قال هذا وأخذ السكين الذي كان يزيل به الشمع عن المصابيح وطعن به خدَّ السيدة العذراء الأيمن.
    فانغرست السكين فيها فاصفرّ للحال رسم العذراء وفار الدم من الجرح فسقط الطاعن وعمّي ويبست يده.

    علم به رئيس الدير مع الرهبان فبدؤوا الصلاة من أجله بحرارة مدة ثلاث سنين كان خلالها هذا الراهب لا يفارق المكان الذي اتّخذه في زاوية أمام الأيقونة حيث كان يبكي بدموع التوبة، ويصلّي بحرارة من أجل المغفرة.

    بعد ثلاث سنين أعلن له بأنه قد صفح عنه، فقبل وفاته ظهرت له السيدة العذراء وأفرحته بالعفو عنه.
    ولكن أنذرته بأن يده الجسورة لابدّ وأن يُحكم عليها في مجيء المسيح الديّان.
    ومنحته الصفح والرحمة فأبصر وعاد كما كان، أمّا يده فبقيت يابسة حتى مماته.

    عندما كشفت بقاياه بعد ثلاث سنين من دفنه على عادة رهبان جبل آثوس.
    انذهل جميع الاخوة من المنظر لأن أعضاء الدفين كانت كلها نيّرة وعليها علامة الرحمة الإلهية.

    أما يده الجسورة التي طعنت الأيقونة المقدسة فبقيت غير بالية وسوداء حتى الآن وتعرض أحيانا على الزائرين موضوعة في صندوق تحت الأيقونة العجائبية. تذكيرًا بالأعجوبة وإرشادًا لهم. أما أثر الدم فهو باق حتى الآن كما هو واضح في الأيقونة.

    المصدر:  صفحة بطريركية أنطاكية

    Comments

    comments

  • أساطير شجرة عيد الميلاد

    أساطير شجرة عيد الميلاد

    هنالك العديد من الأساطير حول شجرة عيد الميلاد ويعتقد بأن الالمان كانوا أول من بدأ بتقليد شجرة الميلاد الغير مزينة.

    أقدم أسطورة تقول بأن القديس الشهيد بونيفس (680-754) الراهب والمبشر البريطاني الذي نظم الكنيسة في فرنسا وألمانيا.
    في أحد الأيام، بينما كان مسافرا الى ألمانيا للتبشير بكلمة الله ألتقى بمجموعة من عبادي الأوثان المتجمعين حول شجرة البلوط على وشك نحر طفل لاله الرعد (ثور) ولمنع عملية النحر وانقاذ حياة الطفل قطع القديس بونيفس الشجرة من شدة غضبه بلكمة واحدة.
    أثناء سقوطها حطمت الشجرة جميع ما في طريقها من شجيرات عدا شجيرة الشربين وبمحاولة منه لكسب الوثنيين فسر بقاء الشجيرة على أنها أعجوبة مُطلقا عليها اسم شجرة يسوع الطفل .. شجرة الحياة.

    كانت أعياد الميلاد الاحقة تُحتفل بزرع شجيرات الشربين وفي أواخر القرون الوسطى وضع الألمان وسكان أسكندنافية الاشجار الدائمة الخضرة داخل بيوتهم.

    أسطورة اخرى تقول بأن القديس بونيفس استخدم الشكل الثلاثي للشجيرة لوصف الثالوث الأقدس.
    المعتنقين الجُدد بدأوا بتكريم الشجرة كما فعلوا مع شجرة البلوط قبل اهتدائهم للمسيحية.
    في القرن الثاني عشر، في أوروبا الوسطى وفي عيد الميلاد كانت تعلق أشجار الشربين رأسا على عقب من سقوف المنازل كرمزا للمسيحية.

    و تروي قصة أخرى و تقول بأن مارتن لوثر (1483-1546) مؤسس المذهب البروتستانتي كان ماشيا في الغابة في أحدى ليالي عيد الميلاد وبينما كان يمشي اندهش لجمال وروعة ملايين النجوم التي كانت تتلألأ من خلال أغصان الأشجار الدائمة الخضرة. لخلق ذات الجو الساحر قام لوثر بقطع أحد الأغصان ووضَعه في بيته وزيَنه بالشموع.

    و تروي أخرى بأنه في ليلة الميلاد وفي أحد الايام صادف أن التقى حطاب فقير بصبي مفقود وجائع.
    بالرغم من فقره أعطى الحطاب الأكل والمسكن للصبي الفقير لتلك الليلة وفي الصباح استيقظ الحطاب ليجد شجرة جميلة تتلألأ خارج بيته بينما اختفى الصبي.

    الصبي الجائع كان المسيح المتنكر وخلق الشجرة كمكافئة لإحسان الحطاب الطيب.

    يروى أيضا أنه ربما أتى أصل شجرة الميلاد من مسرحية الفردوس.
    في القرون الوسطى معظم الناس لم يكن لهم القدرة على القراءة والكتابة وكانت المسرحيات تستخدم لتعليم دروس الكتاب المقدس في جميع أنحاء أوروبا.
    كانت مسرحية الفردوس التي عرضَت خليقة الإنسان ووقوعه في الخطيئة في جنة عدن تُقام كل عام في موسم الشتاء وفي ليلة الميلاد، إقتضى عرضها شجرة تفاح لكن أشجار التفاح لا تحمل ثمرا في الشتاء فأستعيضت بشجرة دائمة الخضرة مع تعليق التفاح عليها.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد من  مقالات

Facebook Comments

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>

صلاة روحية

يا ملاك الله حارسي، المولى أمري من قبل رأفته تعالى، نوّرني، وأحرسني، وارعني، ودبّرني. آمين

اعلان

Facebook