عاشت الكنيسة الأولى حياة الرب يسوع مشاركة إياه فى الآلام والضيقات… وسفر أعمال الرسل الذى يسجل أحداث الكنيسة في تاريخها المبكر، يذكر ما تعرض له رسل المسيح وتلاميذه من ضيقات وشدائد …
فلقد حبس الرسولان بطرس ويوحنا بعد معجزة شفاء مقعد باب الهيكل الجميل ( أع 4 : 3 )..
وقبض على الرسل جميعا ووضعوا فى حبس العامة… لكن ملاك الرب فى الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم..
أهين الرسل وسجنوا وقتلوا … [ راجع أعمال الرسل ].
أما عن موقف الآباء رسل المسيح ومشاعرهم من جهة الضيقات والآلام فتعكسها كتاباتهم.. ونعرض لبعض منها:
يفتتح يعقوب الرسول رسالته التى وجهها للمؤمنين عامة بقولـه:
“احسبوه كل فرح يا أخوتى حينما تقعون فى تجارب متنوعة. عالمين أن امتحان إيمانكم ينشىء صبرا……”
(يعقوب 1 : 2 – 4)
ويقول بطرس الرسول :
” أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص.. الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيرا بتجارب متنوعة. لكي تكون تزكية إيمانكم، وهى أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يمتحن بالنار ” ( بط 1 : 5 – 7 )
أما يوحنا الحبيب فهو الذي حفظ لنا قول الرب يسوع :
” الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير. من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم، يحفظها إلى حياة أبدية” ( يوحنا 12 : 24 ، 25 )
ويفتتح رؤياه وهو منفى فى جزيرة بطمس
“من أجل كلمة الله ، ومن أجل شهادة يسوع المسيح ” ، بقولـه ” أنا يوحنا أخوكم وشريككم فى الضيقة، وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره ” ( رؤ 1 : 9 )
ويسجل لنا يوحنا منظرا رآه واعلن له:
“قال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة. وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم فى دم الخروف من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا فى هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شىء من الحر. لأن الخروف الذي فى وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم “
( رؤ 7 : 9 – 17 )
أما رسائل بولس الرسول فتمتلىء رسائله بالكلام عن الضيقات والآلام وبركاتها والكنوز المذخرة فيها، كانعكاس لخبرته الشخصية وتجربته مع الألم والضيق ..
ومنذ بداية قصة بولس مع المسيح بعد اهتدائه قرب مدينة دمشق قال عنه لحنانيا:
“سأريه كم ينبغى أن يتألم من أجل اسمي” ( أع 9 : 15 ، 16 ) …
ولم تكن هذه الكلمات نوعا من التوعد لهذا الخادم الجديد جزاء أخطائه السابقة، لكنها اعلان عما تفعله الآلام بالنفس التى تحب الرب من أعماقها .. إن الآلام تكمل الإنسان .
وهذا ما اختبره بولس وقاله عن المسيح له المجد:
” لأنه لاق بذاك الذي من أجل الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام “
( عب 2 : 10 ) ..
كان بولس الرسول طراز عجيب من البشر، فبعدما استعرض عمق محبته لسيده وأن لا شىء يمكن أن يفصله عنه حتى الموت فى صوره المختلفة، هتف فى ( رومية 8 : 37):
” ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا ”
(من مقالة المسيحية و الصليب لنيافة الأنبا يؤانس)
اضف رد