هبّت عاصفة شديدة على مدينة مجاورة لنا، فحطمت المنازل وشـّردت كثيرا من الأسر…
تناولت الصحف كثيرا من القصص تحكي مآسي بعض هذه الأسر التي نالها النصيب الأكبر من الخسارة…
ثم أبرزت صورة لإمرأة تقف أمام حطام بيتها بينما ينطق وجهها بكل تعبيرات الأسى والحزن، وإلى جوارها يقف طفلها الصغير النحيف مرتجفا من البرد بينما تعلقت طفلتها الصغيرة في ذيل فستان أمها وهي تنظر الكاميرا بنظرة ملؤها الخوف والفزع.
وتحت الصورة ذكر الكاتب مقاسات ملابس هذه الأسرة المنكوبة.
تأثرت وتألمت لمنظر هذه الأسرة ولكني فرحت عندما لاحظت أن مقاساتهم تتناسب مع مقاسات أفراد أسرتي، ووجدتها فرصة أعلـّم فيها أطفالي كيف يمكنهم مساعدة الأخرين.
علـقت الصورة على ثلاجة بيتنا وشرحت لأطفالي الثلاثة – ولدين وبنتا – ظروف هذه العائلة، ثم أنهيت حديثي بقولي: “إننا نملك الكثير بينما لا تملك هذه العائلة البائسة شيئا، لذا يمكننا أن نتقاسم مالنا معا.
ثم أحضرت ثلاثة صناديق ووضعتها في حجرة المعيشة وبدأت أملأ الصندوق الأول بكل أنواع المعلبات والمأكولات والحلوى، ثم قلت لهم أن يقدموا من لعبهم وألعابهم ما لا يحبونه أو يحتاجونه.
فجاء إبناي ّبلعبهما التي تكسرت وألعابهما التي تشوهت ووضعاها في الصندوق الثاني، وبينما كنت أملأ الصندوق الثالث بالملابس، فوجئت بإبنتي الصغيرة تأتي وقد احتضنت عروستها المفضلة التي تحبها أشد الحب،ثم تضعها في صندوق اللعب.
لكنها انحنت و احتضنتها وقبلتها ووضعتها برفق في الصندوق.
قلت لها “ليس لك أن تعطي عروستك المحبوبة”
أجابتني إبنتي والدموع تملأ عينيها: “إن عروستي هي سر سعادتي، فلماذا لا اعطيها لهذه الطفلة البائسة لتفرّح قلبها أيضا “.
ونظرت لطفلتي المحبوبة، يمنعني خجلي من نفسي من الكلام، وأدركت أخيرا أن كل إنسان يستطيع أن يعطي ما لا يحبه، بينما العطاء الحقيقي أن نعطي أحلى ما عندنا وأكثر الأشياء حبا لنا.
بهذا المفهوم السامي أعطت إبنتي الصغيرة عروستها التي تحبها جدا، وأهدتها لطفلة أخرى لا تعرفها وكلها أمل أن تكون هذه العروسة مصدر فرح لهذه الطفلة البائسة كما كانت لها شخصيا.
لقد علمتني إبنتي ما لم أكن أعلمه.
نظر إبنايّ في دهشة بالغة أختهما تعطي أغلى ما عندها، وبدون تعليق ذهب إبني الأكبر لحجرته وأحضر لعبته المفضلة وبعد تردد صغير وضع لعبته في الصندوق بجوار عروسة إبنتي، وهنا ارتسمت على فم إبني الأصغر ابتسامة صغيرة فجرى يحضر لعبته المفضلة أيضا.
عقدت الدهشة لساني وأنا أرى أطفالي الصغار يدركون معنى العطاء الحقيقي أكثر مني، فأمسكت دموعي واحتضنتهم الثلاثة بين ذراعي وقبلتهم ثم خلعت عني سترتي الجلد التي أحبها ووضعتها في الصندوق وكلي امل أن تحبها هذه السيدة البائسة كما أحببتها أنا أيضا لقد علمتني إبنتي كيف يكون العطاء… شكرا لك يا إبنتي.
اذا أعجبتك هذه القصة لا تتردد بالمشاركة مع أصدقائك والتعليق أسفل الموضوع
اضف رد