القديسة بربارة

st_barbara_1

ولادتها ونشأتها:

ولدت بربارة في أوائل القرن الثالث للميلاد في مدينة “نيقوميدية” ، وكانت الإبنة الوحيدة لوالدها “ديوسقورس” الوثني المتعصب الذي اشتهر في قومه بالغنى الفاحش، والجاه، وقساوة القلب، وبكرهه للمسيحية. أما وحيدته بربارة فكانت دمثة الأخلاق، لطيفة ومتواضعة، تحب الناس كافة. ماتت والدتها وهي صغيرة، فأقام والدها حرسا على بربارة لتبقى في القصر المنيف من شدة خوفه عليها، كما جلب لها أساتذة بارعين ليعلموها شتى أنواع العلوم اللغوية والفلسفية والتاريخية لتنشأ كسائر فتيات الأغنياء في عصرها، كما ملىء والدها جوانب القصر أصناما لشتى الآلهة التي كان يعبدها لتتمثل به وحيدته بالسجود والعبادة.

 

تنصرها:

نالت بربارة ثقافة دنيوية عالية، لكنها كانت تشعر بفراغ كبير في عقلها وقلبها، وكان بين خدمها بعض المسيحيين فاستفسرت منهم عن إلههم الذي لايسكن في الحجارة فشرحوا لها أصول الدين المسيحي وأشاروا عليها مراسلة العلامة “أوريجانس” استاذ مدرسة الإسكندرية الكبير، الذي بإمكانه ان يبسِّط أمام أمثالها من المثقفين حقائق الدين . كتبت بربارة الى وريجانس بما يدور في رأسها من أفكار دينية فلسفية. وطلبت اليه أن يتنازل ليكون معلما لها، فابتهج أورجانس بذلك وأجابها على رسالتها موضحا حقائق الإيمان المسيحي، وأرسل لها كتابا بيد تلميذه “فالنتيانس” الذي أوصاه أن يشرح لبربارة تعاليم الرب يسوع . ولما قرأت بربارة رسالته امتلأت من الروح القدس، وبشجاعة فائقة أدخلت “فالنتيانس” الى قصرها ليكون أحد أساتذتها فلقنها أصول الإيمان المسيحي، وشرح لها عقيدة التجسد الإلهي، وبتولية العذراء مريم والدة الإله. وبعد أن تعمقت بأصول الدين طلبت أن تنال نعملة العماد، فعمدها الأب “فالنتيانس”، وكرست نفسها للرب يسوع، وكانت تواظب على الصلاة والتأمل بسيرة الفادي سواد ليلها، وبياض نهارها، وازداد احتقارها للأصنام التي ملىء أبوها القصر فيها.

 

رفضها الزواج بوثني:

طلب يد بربارة أحد أبناء النبلاء من الوثنيين في “نيقوميدية”، ففاتحها أبوها بذلك فرفضت الإقتران به، محتجة برغبتها في البقاء الى جانب أبيها وصعوبة فراقه والإبتعاد عنه . فقرر أبوها أن يعودها البقاء دونه فسافر الى مدينة أخرى بضعة أيام.

 

تحطيمها الأصنام وتقديسها الثالوث:

وانتهزت بربارة فرصة غياب أبيها عن القصر فأكثرت في الصيام والصلاة والتأمل، بالكتب المقدسة وسيرة القديسين، كما حطمت أصنام أبيها الكثيرة المنتشرة في جوانب القصر، وكان أبوها قد أمر أن يشيد لها حمام خاص في القصر، ويفتح فيه شباكان ففي غيابه أمرت البنائين أن يفتحوا شباكا ثالثا كي يكون عدد الشبابيك الذي يدخل خلالها النور على عدد الثالوث الأقدس.

 

ظهور السيد المسيح لها:

وظهر لها الرب يسوع بهيئة طفل صغي جميل جدا، فسرت بذلك لحظات من الزمن وانقلب سرورها حزنا عميقا، لما تغير هيئة الطفل الإلهي، إذ تخضب جسمه بالدم فتذكرت الفادي وتحمله الآلام والصلب في سبيل فداء البشرية . وكانت الملائكة تظهر لها وتعزيها وتشجعها، وهكذا عاشت بربارة السماء وهي على الأرض وزشابهت الملائكة طهرا ونقاء.

 

معرفة أبيها بتنصرها:

عندما عاد “ديوسقوروس” أبيها من رحلته ووجد إن ابنته بربارة قد حطمت أصنامه هاج كالوحش الكاسر وأوشك في ثورة غضبه أن يقضي عليها ضربا وتجريحا ولكنها هربت من أمام وجهه، وبعد أيام فاتحها ثانية بأمر تزويجها من شاب وثني، فرفضت معلنة له بأنها قد وهبت نفسها للرب يسوع، فخر عن طوره وكاد أن يفتك بها معتبرا كلامها إهانة له ولدينه الوثني، وحاول أن يوضح لها أنها إذا بقيت على هذه الحال سوف يفقد مركزه المرموق في الدولة، وإذا بقيت مسيحية فسوف يغسل عاره بسفك دمها بيده، هنا لبت منه بربارة أن يستمع لها ولو مرة واحدة فشرحت له بطلان عبادة الأوثان فغضب والده من لامها وشكاها الى حاكم المدينة.

 

اعترافها بالمسيح جهرا:

بناء على شكوى والدها استدعاها الحاكم ليحاكمها أمام الجمهور وحاول إغرائها بالوعود الذهبية اذا تراجعت عن ايمانها بالمسيح، لكنه باء بالفشل عندما أظهرت احتقارها لكل ما في العالم من مال وسلطة، وافتخارها بالمسيح يسوع، فأمر الحاكم بتكبيل بربارة، ثم عروها من ثيابها وجلدوها بسياط مسننة كالسكاكين، فتمزق جسدها وهي صابرة لا تشتكي، بل تمجد المسيح وتسأله أن يمنحها القوة لتعترف به أمام المحكمة . ثم أمر الحاكم في اليوم التالي بإستجوابها أمام الناس الذين تعجبوا جدا إذ رؤوا جسمها خاليا من آثار السياط . وحاول الحاكم ثانية إغرائها وإذ لم تؤثر فيها وعوده ووعيده أمر بتهميش ساقيها بأمشاط من حديد، وحرقوها بمشاعل موقودة، وأكثروا من الضرب على رأسها وقطعوا ثدييها، ثم ملحوا جسدها المثخن بالجروح وكل هذا حدث وهي تسبح الله وتعترف بإيمانها بيسوع.

 

مواصلة جهاد بربارة وتحملها العذاب:

أعادوا بربارة الى سجنها المظلم وفي اليوم الثاني قادوها أمام الحاكم وكم كانت دهشة اناس عظيمة إذ رؤوها بكامل صحتها، ونسب الوالي شفاءها الى آلهته . فقال لها:” أنظري كيف استطاعت الآلهة أن تحميك” فأجابت بربارة: “لو كان لأصنامك حياة لأستطاعت أن تحمي نفسها في اليوم الذي حطمتها في قصر أبي، الإله الحي هو الذي ضمد جروحي “. فاستشاط الحاكم غضبا وطلب من جنوده أن يقطعوا رأس بربارة بعد جرها في الشوارع عارية، فسترها الله بضياء سماوي.

 

استشهادها بيد أبيها:

st_barbara_2
وطلب أبوها من الحاكم أن يأذن له بقطع رأسها بيده فسمح له بذلك، فقادها أبوها الى خارج المدينة وهو يزبد، وعندما وصل الى قمة الهضبة جثت بربارة على الأرض وضمت يديها الى صدرها على شكل صليب وحنت هامتها، فتناول أبوها الفأس وهوى به على رقبتها وقطعها. وكان ذلك في السنة 235 ميلادية.

Comments

comments

  • st_barbara_1

    القديسة بربارة

    ولادتها ونشأتها:

    ولدت بربارة في أوائل القرن الثالث للميلاد في مدينة “نيقوميدية” ، وكانت الإبنة الوحيدة لوالدها “ديوسقورس” الوثني المتعصب الذي اشتهر في قومه بالغنى الفاحش، والجاه، وقساوة القلب، وبكرهه للمسيحية. أما وحيدته بربارة فكانت دمثة الأخلاق، لطيفة ومتواضعة، تحب الناس كافة. ماتت والدتها وهي صغيرة، فأقام والدها حرسا على بربارة لتبقى في القصر المنيف من شدة خوفه عليها، كما جلب لها أساتذة بارعين ليعلموها شتى أنواع العلوم اللغوية والفلسفية والتاريخية لتنشأ كسائر فتيات الأغنياء في عصرها، كما ملىء والدها جوانب القصر أصناما لشتى الآلهة التي كان يعبدها لتتمثل به وحيدته بالسجود والعبادة.

     

    تنصرها:

    نالت بربارة ثقافة دنيوية عالية، لكنها كانت تشعر بفراغ كبير في عقلها وقلبها، وكان بين خدمها بعض المسيحيين فاستفسرت منهم عن إلههم الذي لايسكن في الحجارة فشرحوا لها أصول الدين المسيحي وأشاروا عليها مراسلة العلامة “أوريجانس” استاذ مدرسة الإسكندرية الكبير، الذي بإمكانه ان يبسِّط أمام أمثالها من المثقفين حقائق الدين . كتبت بربارة الى وريجانس بما يدور في رأسها من أفكار دينية فلسفية. وطلبت اليه أن يتنازل ليكون معلما لها، فابتهج أورجانس بذلك وأجابها على رسالتها موضحا حقائق الإيمان المسيحي، وأرسل لها كتابا بيد تلميذه “فالنتيانس” الذي أوصاه أن يشرح لبربارة تعاليم الرب يسوع . ولما قرأت بربارة رسالته امتلأت من الروح القدس، وبشجاعة فائقة أدخلت “فالنتيانس” الى قصرها ليكون أحد أساتذتها فلقنها أصول الإيمان المسيحي، وشرح لها عقيدة التجسد الإلهي، وبتولية العذراء مريم والدة الإله. وبعد أن تعمقت بأصول الدين طلبت أن تنال نعملة العماد، فعمدها الأب “فالنتيانس”، وكرست نفسها للرب يسوع، وكانت تواظب على الصلاة والتأمل بسيرة الفادي سواد ليلها، وبياض نهارها، وازداد احتقارها للأصنام التي ملىء أبوها القصر فيها.

     

    رفضها الزواج بوثني:

    طلب يد بربارة أحد أبناء النبلاء من الوثنيين في “نيقوميدية”، ففاتحها أبوها بذلك فرفضت الإقتران به، محتجة برغبتها في البقاء الى جانب أبيها وصعوبة فراقه والإبتعاد عنه . فقرر أبوها أن يعودها البقاء دونه فسافر الى مدينة أخرى بضعة أيام.

     

    تحطيمها الأصنام وتقديسها الثالوث:

    وانتهزت بربارة فرصة غياب أبيها عن القصر فأكثرت في الصيام والصلاة والتأمل، بالكتب المقدسة وسيرة القديسين، كما حطمت أصنام أبيها الكثيرة المنتشرة في جوانب القصر، وكان أبوها قد أمر أن يشيد لها حمام خاص في القصر، ويفتح فيه شباكان ففي غيابه أمرت البنائين أن يفتحوا شباكا ثالثا كي يكون عدد الشبابيك الذي يدخل خلالها النور على عدد الثالوث الأقدس.

     

    ظهور السيد المسيح لها:

    وظهر لها الرب يسوع بهيئة طفل صغي جميل جدا، فسرت بذلك لحظات من الزمن وانقلب سرورها حزنا عميقا، لما تغير هيئة الطفل الإلهي، إذ تخضب جسمه بالدم فتذكرت الفادي وتحمله الآلام والصلب في سبيل فداء البشرية . وكانت الملائكة تظهر لها وتعزيها وتشجعها، وهكذا عاشت بربارة السماء وهي على الأرض وزشابهت الملائكة طهرا ونقاء.

     

    معرفة أبيها بتنصرها:

    عندما عاد “ديوسقوروس” أبيها من رحلته ووجد إن ابنته بربارة قد حطمت أصنامه هاج كالوحش الكاسر وأوشك في ثورة غضبه أن يقضي عليها ضربا وتجريحا ولكنها هربت من أمام وجهه، وبعد أيام فاتحها ثانية بأمر تزويجها من شاب وثني، فرفضت معلنة له بأنها قد وهبت نفسها للرب يسوع، فخر عن طوره وكاد أن يفتك بها معتبرا كلامها إهانة له ولدينه الوثني، وحاول أن يوضح لها أنها إذا بقيت على هذه الحال سوف يفقد مركزه المرموق في الدولة، وإذا بقيت مسيحية فسوف يغسل عاره بسفك دمها بيده، هنا لبت منه بربارة أن يستمع لها ولو مرة واحدة فشرحت له بطلان عبادة الأوثان فغضب والده من لامها وشكاها الى حاكم المدينة.

     

    اعترافها بالمسيح جهرا:

    بناء على شكوى والدها استدعاها الحاكم ليحاكمها أمام الجمهور وحاول إغرائها بالوعود الذهبية اذا تراجعت عن ايمانها بالمسيح، لكنه باء بالفشل عندما أظهرت احتقارها لكل ما في العالم من مال وسلطة، وافتخارها بالمسيح يسوع، فأمر الحاكم بتكبيل بربارة، ثم عروها من ثيابها وجلدوها بسياط مسننة كالسكاكين، فتمزق جسدها وهي صابرة لا تشتكي، بل تمجد المسيح وتسأله أن يمنحها القوة لتعترف به أمام المحكمة . ثم أمر الحاكم في اليوم التالي بإستجوابها أمام الناس الذين تعجبوا جدا إذ رؤوا جسمها خاليا من آثار السياط . وحاول الحاكم ثانية إغرائها وإذ لم تؤثر فيها وعوده ووعيده أمر بتهميش ساقيها بأمشاط من حديد، وحرقوها بمشاعل موقودة، وأكثروا من الضرب على رأسها وقطعوا ثدييها، ثم ملحوا جسدها المثخن بالجروح وكل هذا حدث وهي تسبح الله وتعترف بإيمانها بيسوع.

     

    مواصلة جهاد بربارة وتحملها العذاب:

    أعادوا بربارة الى سجنها المظلم وفي اليوم الثاني قادوها أمام الحاكم وكم كانت دهشة اناس عظيمة إذ رؤوها بكامل صحتها، ونسب الوالي شفاءها الى آلهته . فقال لها:” أنظري كيف استطاعت الآلهة أن تحميك” فأجابت بربارة: “لو كان لأصنامك حياة لأستطاعت أن تحمي نفسها في اليوم الذي حطمتها في قصر أبي، الإله الحي هو الذي ضمد جروحي “. فاستشاط الحاكم غضبا وطلب من جنوده أن يقطعوا رأس بربارة بعد جرها في الشوارع عارية، فسترها الله بضياء سماوي.

     

    استشهادها بيد أبيها:

    st_barbara_2
    وطلب أبوها من الحاكم أن يأذن له بقطع رأسها بيده فسمح له بذلك، فقادها أبوها الى خارج المدينة وهو يزبد، وعندما وصل الى قمة الهضبة جثت بربارة على الأرض وضمت يديها الى صدرها على شكل صليب وحنت هامتها، فتناول أبوها الفأس وهوى به على رقبتها وقطعها. وكان ذلك في السنة 235 ميلادية.

    Comments

    comments

  • st_barbara

    صلاة للقديسة بربارة

    يا قديسة بربارة، الكثير من الناس حولي يكذبون. علّميني أن أتشبّه بكِ، فأبغض الكذب والخيانة مثلك، وأن أفضّل عليها كلّ شيء، حتى الإهانة، حتّى الفقر، وحتى الفشل الاجتماعي.

    يا قديسة بربارة، الكثير من الناس حولي يكرهون. علّميني أن ارُدّ مثلك الشرّ خيراً، وأن اصلّي لمن يبغضونني، متذكراً انّ المسيح قال:

    “إن لم تغفروا فلن يُغفر لكم”، و “بالكيل الذي تكيلون به يُكال لكم”.

    يا قديسة بربارة، أنا مُشبعٌ ألماً وقد نفدَت قواي. علّميني أن الألم الذي يقدّم بحبّ، هو إحسانٌ، وأنّه يستطيع أن يخلّص نفساً. المسيح أحسن إليّ هكذا وهو على الصليب، وأنتِ اقتديتِ به في غرفة التعذيب.




    وهكذا خلّصَ العالم، وهكذا انتِ هديتِ بلادكِ.

    ساعديني أن اتذكّر في أيّة أحوال عشتِ: هذا يعطيني الشجاعة وسأرى أنّي أنا أيضاً، قادرٌ على عمل أشياء عظْمى، بما لديّ، وأنّي، إن لم أحبَّ ما يجري، فبامكاني تغييره بأعمالي الخفيّة، ولو كنتُ صغيراً، ولو كنتُ وحدي.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد
  • حياة القديس جابريل لسيدة الآلام

    حياة القديس جابريل لسيدة الآلام، شفيع الشباب

    عيده 27 فبراير

    وُلِد “فرانشيسكو پوسّنتي” (جابريل فيما بعد) في 1 مارس 1838م، في أسيزي بإيطاليا.
    كان ترتيبه الحادي عشر بين ثلاثة عشر أخاً وأختاً. لأبيه “سانتي” الموظف بالحُكم المحلي و أمه “أجنيس”.
    نال امعمودية يوم ميلاده بإسم “فرانشيسكو” تيمُناً بكونه أسيزي مثل القديس فرنسيس الأسيزي.
    إنتقل والد فرانشيسكو بعد وقت قصير للعمل في “مونتالتو” ثم إلى “سبوليتو” حيث أصبح مُثَمِّن قضائي عام 1841م.
    في “سبوليتو” عانت الأسرة من ظروف محزنة عديدة: في ديسمبر نفس عام الإنتقال إلى “سبوليتو” توفيت الإبنة الرضيعة “روزا”، ثم توفيت الإبنة “أديلا” ذات السبعة أعوام في يناير 1842م، ثم توفيت الأم “أجنيس” في نفس العام 1842م. وقتها كان فرانشيسكو في الرابعة من عمره.

    في طفولته كان فرانشيسكو طفلاً صعب المِراس حيث كان شديد العصبية لفقدانه أمه في سن صغير، لكنه في المراهقة أصبح محل محبة وتقدير معارفه وجيرانه، لأنه كان مُهتماً بأعمال الرحمة الروحية والجسدية، كما تعلَّم من الإنجيل، فأصبحا المحبة والعطاء يغلبان على الطابع العصبي.
    كما اشتُهِر بأناقته واعتدال مظهره، لكن بقيَ من مفاعيل المُراهقة أنه كان مشغولاً بحضور حفلات المجتمع الراقي في “سبوليتو” وسرعان ما أصبح أفضل من يجيد الإتيكيت ومراقصة الفتيات.

    إرتبط عاطفياً بإحدى فتيات المدينة واعتزم خطبتها، لكن تصادف في نفس الفترة أن يزور ديراً لإخوة يسوع، وكان للزيارة أثراً في تحريك دعوة مُغايرة لدعوة الزواج، فبدأ يتكوَّن روحياً وتعليمياً في ديرهم، ثم انتقل ليقضي بعض الوقت في التكوين الدين العلمي لدى جامعة الأباء اليسوعيين في “سبوليتو” وقد أظهر إهتماماً وبراعة ملحوظة في الدراسة والتأمل، كما أتقن اللغة اللاتينية. وفي نفس الوقت تكونت رؤية واضحة لدى فرانشيسكو بأن دعوته هي في تكريس حياته لله من أجل الرسالة، ولكنه لم يتخذ قراراً بذلك.

    عام 1851م مَرِضَ فرانشيسكو، ولكنه تمسَّك بالأمل بأنه إن كُتِبَ له الشفاء فسيذهب فوراً ليترهَّب، ثم نسىَ وعده. وتكرَّر الأمر عندما نجى من رصاصة طائشة كادت تصيبه أثناء رحلة صيد مع أقرانه. ثم عادت تُخَيِّم الأحداث المُحزنة على الأسرة مرّة أخرى، فقد توفي شقيقه “باولو”، وانتحر شقيق آخر هو “لورنزو” في عام 1853م. وعاود المرض جسد فرانشيسكو تأثراً بوفاة شقيقيه، وكانت محنة المرض أشدّ من سابقتها. حينها قرَّر أن يقدِّم النذر الرهباني حال شفائه، وبالفعل أتمّ ذلك.

    تقدَّم بداية للإلتحاق بالرهبنة اليسوعية، ولأسباب غير معلومة لم يتم قبوله. فكانت صدمة شديدة رافقتها صدمة وفاة شقيقته الكبرى “ماريا لوسيا” بالكوليرا وهي التي كانت الأقرب إلى قلبه لأنها إعتنت به بعد وفاة والدته.

    الـــدعــــوة:
    الأخ “أولوسيوس” الراهب الدومنيكاني وشقيق فرانشيسكو، قام بإرشاده للتقدُّم لرهبنة آلام المسيح “Passionists” في مدينة “مورّوﭬـالي”. لم تكن هذه الخطوة تروق والد فرانشيسكو الذي استعان بكثير من الأقارب لكي يقنعوا فرانشيسكو بالعدول عن فكرة الترهُّب. إلا أن محاولاتهم لم تنجح. دخل فرانشيسكو مرحلة الإبتداء كطالب رهبنة في 19 سبتمبر 1856م. بعدها بيومين تسلَّم زيّ رهبنة آلام المسيح، تحت اسم الأخ “جابريل للعذراء سيدة الآلام” وقد جعل موضع تأمله وتكريسه في العذراء سيدة الآلام (الأحزان) لأنه كان دائماً يرى فيها الأم التي تُشاركه كل الأحزان التي ألمت به في محيط أسرته، بداية من اليُتم في سن مبكر ومروراً بوفاة بعض أشقاءه. وفي العام التالي أعلن جابريل نذوره للرهبنة. وكان مُرشده الروحي هو الأب “نوربرت للقديسة مريم”.

    عام 1858 م إنتقل “جابريل” مع بعض زملائه طلبة الرهبنة إلى مدينة “بيـﭬـيتورينا” لإستكمال الدراسة لمدة عام، ثم إضطروا بسبب إضطرابات حدثت هناك أن ينتقلوا إلى دير “ايزولا ديل جران ساسو” ببلدية “تيرامو”.

    إمتاز الأخ “جابريل” بتفوقه الأكاديمي بالتلازُم مع إرتفاع قامته الروحية بالصلوات والأصوام والتأمل بالكتاب المقدس. وفي الوقت نفسه بدأت تظهر عليه أعراض مرض السُلّ.
    لم يكن خبر مرضه بالسُلّ مُحزِناً له، بل كان في الحقيقة مُفرِحاً! لأنه قرَّر أن يتوحد بآلام كل المرضى، ويدخل مدرسة الألم بشجاعة، بل إنه صلّىَ أن يموت ببطئ كي يزداد تقدُّساً بالألم.

    كان دخوله في الألم غريباً، فبدل من أن تعود إليه طباعه العصبية التي عاش بها في طفولته، بدىَ أكثر صبراً وابتساماً، وحافظ على واجباته الرهبانية كاملة، برغم أنه كان معفياً من بعضها بحُكم المرض ورأي الأطباء. وعندما سائت الته ورقد على فراش الموت دون أن يستطيع القيام بواجباته، صار هو مصدر إلهام لإخوته بالدير، وكانوا يقضوا كل أوقات راحتهم معه ليكتسبوا حماساً و بسالة منه. قُبَيل وفاته طلب إراق مذكراته الروحية، حتى لا تكون مجال إكرام له بعد وفاته، لأنه كان يرى نفسه غير مُستحِقّ. فقط بقيت مخطوطات مراسلاته، ودراسته.

    أثناء الخلوة الروحية بالدير التي تسبق نَيل سرّ الكهنوت، توفيَ جابريل بين إخوته بعطر القداسة وهو يحمل الصليب وصورة العذراء سيدة الآلام، مُبتسماً بسلام، في 27 فبراير 1862م قبل أن يُكمل عامه الرابع والعشرين بأيام.
    شهود واقعة وفاته، قالوا أنه جلس في سريره بعد أن كان راقداً لا يقوى على النهوض، وكان ينظر إلى نور أشرق في غرفته وارتسم بشكل كيان، لم يميز الإخوة هيئة ذلك الكيان النوراني، لكنه كان السيدة العذراء على الأرجح.
    يقول أحد الحاضرين وهو الأخ “برناردو ماريا ليسوع” أنه كان يشعر بالخجل من كونه لم يصل إلى هذه القامة الروحية التي وصل إليها جابريل برغم كونه قد دخل الإبتداء في نفس اليوم معه.

    المصدر الرئيسي لقصة هذا الراهب الشاب القديس، كان ما دونه عنه مرشده الروحي الأب “نوربرت للقديسة مريم”.

    تم دفن الأخ جابريل في دير”ايزولا ديل جران ساسو” ببلدية “تيرامو”. في عام 1866م تم إجبار الرهبان على إخلاء هذا الدير، ولت الكنيسة التي دُفِنَ جابريل تحت أحد مذابحها مهجورة لمدة 30 عام. على مستوى شعبي – غير رسمي – إشتهرت سيرة قداسة الأخ جابريل في “تيرامو” وكان الناس يستشفعون به قبل أي إجراء لفت دعوى تطويبه. ولّوا يتوافدون على كنيسة الدير المهجورة يطلبون شفاعته، وكثيراً ما نالوا بها نعماً كانوا في حاجة إليها.
    جائت لجنة من الإخوة رهبان آلالام المسيح ليعاينوا رفات القديس ويكتبون تقريراً عن حالتها، يرفقونه بطلب فتح دعوى تطويبه، فتجمهر الناس ظَنّاً منهم أنهم سيقومون بنقل الرفات من الكنيسة وناشدوهم ألا يفعلوا ذلك.
    ثم بعد عامين عاد الرهبان بقرار حكومي إلى دير “ايزولا ديل جران ساسو” ليمارسوا حياتهم الرهبانية به.
    معجزتي شفاء موثقتين من بين كَمّ معجزات لم يتمكن أصحابها من إيجاد أدلة عليها، كانتا سبباً في تطويب الأخ جابريل: هما شفاء السيدة “ماريا مازيريلاّ” من السُلّ الرئوي والإلتهاب الأنسجة المُغَلِّفة للعظم. وشفاء لحظي لشخص يُدعى “دومنيك” من الفتق.

    كما كان معروفاً من سيرة حياة القديسة “ﭼـيما جالجاني” أنها نالت الشفاء بشفاعته وهو من قادها روحياً للترهُّب برهبنة آلام المسيح للبنات، كما تصادف أنها توفيت بعطر القداسة في نفس عمره.
    يُعتبر مزاره في دير “ايزولا ديل جران ساسو” هو أحد أماكن الحجّ الروحي الشهيرة بإيطاليا، التي يتوافد عليه الملايين سنوياً.

    تم تطويب الأخ جابريل لسيدة الآلام عن يد البابا بيوس العاشر عام 1908م وقد حضر التطويب مرشده الروحي وبعض الإخوة الذين عاصروه في دير الإبتداء. وتم إعلان قداسته عن يد البابا بندكتس الخامس عشر عام 1920م، ودعاه شفيعاً للشباب الكاثوليكي. وشفيع طلبة الإكليركيات.

    شهادة حياته وبركة شفاعته فلتكن معنا. آمين.

    Comments

    comments

  • القديس نيقولاوس

    القديس نيقولاوس – أسقف مايرا

    شفيع الأطفال الصغار و أطفال المدارس

    كان القديس نيقولاوس أسقف مدينة تدعى مايرا في لسيا التابعة للامبراطورية البيزنطية (تركيا) في أوائل القرن الرابع الميلادي حيث كان كاهنا مسيحيا و أصبح أسقفا فيما بعد.
    كان شخصا ثريا و جاب البلاد يساعد الناس و يوزع الهدايا من الأموال و الهدايا الأخرى.

    يُعرف هذا القديس في هولندا و شمال بلجيكا باسم القديس نيكولاس أو سينتركلاوس.
    وصل إلى هولندا عبر البحر من إسبانيا قبل أسبوعين من عيد مولده التقليدي في 6 كانون الأول مع مساعده بيت الأسود و الذي سيساعده في توزيع الهدايا و الحلوى على جميع الأطفال الجيدين.

    تخبرنا أشهر قصة عن القديس نيقولاوس كيف ساعد ثلاث أخوات شابات تعيسات كان الشبان يتقدمون لخطبتهن و لكن لم يكن لديهن مهور لأن والدهن و هو نبيل فقير لم يكن قادرا على توفير المال و لم تتمكنّ من الزواج بسبب ذلك.

    من المرجح أنه قد توفي في 6 كانون الأول عام 346 في مايرا، لذلك يحتفل بعيده في هذا التاريخ.
    و يعتقد أن ذخائره موجودة في باري بإيطاليا. و هو معروف لكرمه الشديد كما أنه شفيع الأطفال الصغار و أطفال المدارس.

    هذا هو أكثر ما يعرف عنه في الغرب.

    عيده: 6 كانون الأول/ ديسمبر

    Comments

    comments

  • حياة القديس مارتن دي بورس

    حياة القديس مارتن دي بورس

     

    ولد مارتن عام 1579م في ليما عاصمة ﺑﻴﺮﻭ لأب إسباني نبيل وأم ﻋﺒﺪﺓ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺔ.
    بعد ميلاد شقيقته التي كانت تصغره بعامين تخلى الأب عنهما، وعملت الأم أعمال بسيطة لتنفق عليهما.
    وبعد عامين من التعليم الأساسي تم تحويل مارتن لتعلم أعمال التمريض حيث كان هذا هو التعليم الوحيد المتاح للسود إذ كان محظور عليهم استكمال تعليم عال.
    تربى مارتن في فقر شديد لكنه تعلم الإيمان في بيت أمه، كان يعمل في النهار ويسهر للصلاة في الليل.

    في سن 15 أراد مارتن الإلتحاق برهبنة الدومنيكان ليصير راهبا وكاهنا.
    ولكن بحسب القوانين في دولة بيرو المحتلة من إسبانيا كان ممنوعا على الأفارقة والهنود ومختلطي العرق الترهب من الدرجة الأولى أو الكهنوت، فطلب مارتن أن يكون أخ مكرس من الدرجة الثالثة المسماة درجة الوردية المقدسة. وهي درجة تكريس أقل من الرهبنة، ويسند لأصحابها الأعمال الإدارية والخدمية مع دراسة الكتاب المقدس واللاهوت.

    فإضطرت الرهبنة لقبوله كخادم فقط دون أن تعطيه درجة مكرس، فتقبل مارتن دي بورس الأحكام والقوانين العنصرية بتواضع حبا ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ ودون أن يحاول الإستناد لنسب أبيه، كما لم يرتدي زي تكريس الدرجة الثالثة إلا في سن 24 بعد اشتهار حسن سيرته واتضاعه وإلتزامه بالتكريس برغم عدم قبول تكرسه رسميا!

    إلتزم الأخ مارتن الفقر والطاعة والعفة وتجرد عن كل زينة وصام عن اللحوم، كما كان يتبنى أقل الأعمال ﻗﻴﻤﺔ حتى يكسر كبرياءه بعد إرتداء زي ﺍﻟﺘﻜﺮﻳﺲ، إذ إلتزم بأعمال النظافة للمكان الذي تولاه كما كان وهو ﺧﺎﺩﻡ، وخدمة المسنين بكل قلبه.
    كما أنشأ دار ﻟﻸﻳﺘﺎﻡ تولاها بنفس الرعاية. إشتهر بالـرحــمــة وشهد أكثر من شخص معجزات إرتفاعه عن الأرض أثناء ﺍﻟﺼﻼﺓ، وكذلك بالسياحة (أي التواجد بمكانين ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﻳﻦ في نفس الوقت). والدخول من أبواب ﻣﻐﻠﻘﺔ.
    كما اشتهر بمعرفة معجزية رغم دراسته المحدودة بالنسبة لأقرانه من الرهبان والمكرسين. وأيضا اشتهر بقدرته على التواصل مع الحيوانات وفهمها، إذ كان يرعاها ويرحمها أيضا.
    إلى جانب معجزات شفاء كثيرة تمت في الحال لمرضى كان يخدمهم.
    يذكر أنه كان مأخوذا بعبادة القربان الأقدس لدرجة أنه وفيما كان رﺍكعا أمامه على إحدى درجات سلم ﺍﻟﻤﺬﺑﺢ إشتعلت حوله النار ودخل كل من كانوا ﻭﺭﺍءﻩ في حالة ذعر وفوضى فيما لم يكن هو واعيا لما يحدث.
    كما يحكى عن رحمته أنه عندما امتلأت الأسرة بالمسنين في الدار، بينما وجد فقيرا مسنا يتسول وهو شبه عاري، أخذه مارتن وأعطاه فراشه الخاص، وعندما ﻻﻣﻪ أحد الإخوة لأن الرجل لم يكون نظيفا لينام في فراشه حتى الصباح، أجاب دي بورس : “الرحمة أفضل من النظافة”.

    أشهر معجزاته إبهارا ﻛﺎﻥ عندما ضرب الوباء ليما وأصاب 60 من الرهبان المبتدئين، فتم إغلاق باب ﻳﻔﺼﻞ دير الإبتداء عن دير الرهبان الأقدم حتى لا تنتشر العدوى وكان بين دير المكرسين القدماء مارتن دي بورس، الذي أراد أن يتمكن من خدمتهم، بل ونقلهم إلى دير الرهبان الأقدم لإتساعه ووجود وسائل تدفئة فيه. ونقل عدد منهم بالفعل من خلال إنتقاله بين الديرين والباب بينهما مفلق ومفتاحه ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ مع مدبر الدير.

    توفي مارتن دي بورس عن عمر 59 قضى معظمها في خدمة المسنين والرحمة بكل من حوله. فإعتبر رداءه التكريسي وسيلة للتبرك، واعتبره معاصريه قديس قبل رفع دعوى تطويبه من كثرة النعم والمراحم السماوية التي تمت بشفاعته.

    وتعيد له الكنيسة في ذكرى إنتقاله 3 نوفمبر، وتضعه كشفيع للهجناء (مختلطي العرق) ومن يعانون العنصرية.

    بركة شفاعته وشهادة حياته فلتكن معنا. آمين.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد من  سير قديسين

Facebook Comments

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>