في 14 شباط من كلّ عام يُحتفل بعيد “فالنتينو” أو “عيد الحُبّ”.
فبعضهم يقول إنّه كان قدِّيساً كما جاء في الصيغة الإيطاليَّة San Valentino، وبعضهم الآخر يشكّك في أصله الدِينيّ ويجعل منه أسطورة استغلّها التُجّار لمآرب اقتصاديَّة وتحوّلت إلى مناسبة ترفيهيَّة دنيويَّة. فهل لنا أن نعرف حقيقة الأمر؟
قال يسوع: “أعطيكم وصيَّة جديدة: أحبّوا بعضكم بعضاً. كما أنا أحببتكم، أحبّوا أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. إذا أحبّ بعضكم بعضاً. عرف الناس جميعاً أنّكم تلاميذي” (يوحنّا 13/34-35).
كما كتب يوحنّا الرسول في رسالته الأُولى: “أيُّها الأحبّاء فليحبّ بعضنا بعضاً لأنّ المحبّة من الله، وكلّ مُحبّ مولود لله وعارف بالله. مَن لا يحبّ لا يعرف الله لأنّ الله محبّة… إذا قال أحدٌ: إنّي أحبّ الله وهو يبغض أخاه كان كاذباً، لأنّ الذي لا يحبّ أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحبّ الله وهو لا يراه” (1يوحنّا 4/7-20).
هذا هو الحُبّ الذي عاشه الأسقف القدِّيس “فالنتينو” في أثناء حياته على هذه الأرض، ومات شهيداً لإيمانه وحبّه لله الحقّ.
لماذا، إذاً، أصبح هذا القدِّيس الشهيد شفيعاً للعشّاق، يحتفلون بعيده في الرابع عشر من شهر شباط ويتبادلون فيه البطاقات العاطفيَّة والفكاهيَّة؟ ولماذا يقال لهذا اليوم “الفالنتينيّات”، حيث تُقدّم الهدايا وتنتشر خلاله مظاهر المحبّة وفيها شيء من الحقيقة وشيء من الخيال!
ليس من السهل شرح ذلك، لأنّنا إذا عدنا إلى التقاليد المتّبعة في هذا العيد، ظهر لنا أنّ جذوره قديمة، لا في إيطاليا فحسب حيث دخل هذا العيد حديثاً، بل أيضاً في البلدان – الأنكلوساكسونيَّة– حيث نشأ في بادئ أمره.
بوسعنا أن نفكّر في عادات قديمة مرتبطة بطقوس الخصب في فصل الربيع، والفصول التي تنشئ فيها العصافير والطيور عائلاتها الجديدة وبغيرها من الأسباب. وليس من المستبعد في تاريخ العادات الشعبيَّة أن يعود أصل التقاليد المتّبعة إلى ذكرى أحد القدِّيسين (كما هو الحال في أمر “بابا نويل” الذي كان يمثّل أصلاً القدِّيس نيقولاوس شفيع الأطفال).
وقد دخلت عادةُ عيد القدِّيس “فالنتينو” شفيع العشّاق إلى بلادنا منذ بضع سنوات، من غير أن يعرف الناس عندنا مَن هو هذا القدِّيس.
وهو براء من الأعمال السخيفة التي يلهو بها الشبّان والشابّات في يوم عيده، وقد أصبح يوم هرج ومرج، بدل أن يكون يوم تكريم قدِّيس عظيم مات شهيد الدِين المسيحيّ، بعد أن هدى إليه عدداً من الوثنيّين كبيراً جدّاً.
نرجو أن يقرأ الناس هذا المقال فيعرفوا حقّ المعرفة مَن هو القدِّيس “فالنتينو” ويكرّموه التكريم الذي يليق به.
فإنّه لأمر يدعو إلى الأسى تحويل أعياد كعيد الميلاد ورأس السنة وعيد القدِّيسة بربارة وذكرى القدِّيس “فالنتينو” إلى حفلات خالية من كلّ معنى روحيّ. فتتحوّل إلى مناسبات لهو لا جدوى منه وربّما اتّصفت بالطياشة لا بل ما ينافي الآداب السليمة.
نطلب إلى الله بشفاعة القدِّيس فالنتينو أن يهدينا سواء السبيل.
القدِّيس فالنتينو أسقف من القرن الثالث
“فالنتينو” اسم قدِّيس شهيد.
عاش “فالنتينو” قبل نحو (1700) سنة، وكان غنيّاً بالمشاعر الإنسانيَّة وبإيمان ينتقل انتقال العدوى إلى سواه.
وجاء من ولاية “أومبريا” UMBRIA الإيطاليَّة وأصبح أسقفاً في “تيرني” TERNI.
وقد وصل إلى مدينة روما في العام (270)، واشتهر في فترة الاضطهادات التي وقعت في عهد الإمبراطور “كلاوديو”.
كان “فالنتينو” يزور السجون ويساعد المعترفين (أي المسيحيّين) الذين أشهروا إيمانهم أمام الحكّام.
وقد حصل بهذه الطريقة على شهرة القداسة من قِبل مؤمني العاصمة روما، إلى أن ألقي القبض عليه.
وتقول الرواية إنّ الإمبراطور بَنفْسه طلب مقابلته. ولما مثل قدِّيسنا أمامه، استجوبه على أنّه صديق له أكثر منه متّهماً.
“ما هذا يا فالنتينو، لماذا لا تعمل بشرائعنا؟ فإذا قمت بعبادة آلهتنا تطرد عنك الغرور والكبرياء”.
لكنّ فالنتينو ببلاغته وفصاحته المقنعة استطاع أن يبرهن للإمبراطور كيف أنّ الآلهة الوثنيَّة كاذبة وخدّاعة في حين أنّ الإيمان الحقّ المقدَّس وحده هو الإيمان بالمسيح المخلّص.
وتكلّم “فالنتينو” ببلاغة كادت تقنع الإمبراطور، حتّى إنّه بعد أن أصغى إليه بانتباه أخذ يهتف: “اسمعوا يا أهل روما، كيف يتكلّم هذا الرَجل بكلّ حِكمة واستقامة!”.
لكنّ احتمال اهتداء الإمبراطور إلى الدِين المسيحيّ أقلق رجال الحاشية، فسارعوا إلى تذكيره بواجباته وهي تقضي عليه باضطهاد المسيحيّين.
فوكل “فالنتينو” إلى حراسة أحد النبلاء الرومانيّين وكانت له ابنة عمياء، فأعاد القدِّيس النظر إليها فاهتدت إلى المسيحيَّة.
وما إن مضت بضعة أيّام حتّى هدى “فالنتينو” جميع عائلات الحرّاس إلى الدِين المسيحيّ.
ولم يكن من الممكن أن يبقى مجهولاً تعلّقه هذا بالمسيحيَّة، فقُبض عليه وحُكم عليه بالموت.
لَكن قبل أن يُقطع رأسه وجد الطريقة المناسبة ليهدي بها إلى المسيحيَّة سجّانه القاسي وعائلته.
ضريح الشهيد فالنتينو في روما
دفن “فالنتينو” في شارع “فلامينيا” في الطريق المؤدّية إلى “تيرني”.
واكتشف قبره قبل نحو نصف قرن، مهندسون مختصّون بالتنقيب عن الآثار، تحت حطام الكاتدرائيَّة المبنيَّة على اسمه. وفي حين تنال صورته التاريخيَّة ما يثبتها إثبات اليقين، تابعت شهرته التقليديَّة مسيرتها على أنّه شفيع العشّاق والشبّان في الأيّام التي ينتهي فيها فصل الشتاء ويعلن أوّل فصل الربيع.
(منقول من موقع القديسة تريزيا بحلب)
اضف رد