ما هو هدف حياتك؟ ولماذا أنت موجودٌ على هذا الكوكب؟
المشكلة أنّنا ننطلق من النقطة الخاطئة لنجيب على هذين السؤالين.
ننطلق من “الأنا”. نسأل دائمًا الأسئلة المتمحورة حول الذات. ماذا يجب أن أفعل بحياتي؟ ما هي أهدافي، أحلامي؟ ماذا أخطّط لمستقبلي؟ بالطبع كلّنا نبحث عن النجاح في حياتنا، ولكن هذا النجاح لا يعني أنّنا حقّقنا هدف حياتنا. فالتشديد على الذات يمنعنا من رؤية الهدف الحقيقيّ لحياتنا. فنحن لم نخلق أنفسنا ولذلك نحن لا نعلم هدف خلقنا إن انطلقنا من “أنفسنا”.
فما هو الجواب إذًا؟
لنعرف الجواب الصحيح ينبغي أن نبدأ مع “الله”.
فأيّ اختراع تريد معرفة الهدف منه عليك أن تسأل صانعه أو تطّلع على الكتيّب الذي يعلّمك طريقة الاستعمال.
وهكذا نحن، علينا أن نسأل الله عن هدف حياتنا حتّى نستطيع تحقيق هذا الهدف. وكيف يتمّ ذلك؟ إنّه يتمّ من خلال الإعلان الإلهيّ، هذا الذي يكشفه لنا الكتاب المقدّس. فهذا الكتاب يكشف لنا لماذا نحن أحياء، وكيف يجب أن نعيش، وماذا نتوقّع في المستقبل. من هنا علينا أن نبني حياتنا على الحقائق الأزليّة، علينا أن نبنيها على الصخر، على الأساس الذي هو يسوع المسيح. إن فعلنا ذلك ندرك أنّ هدف حياتنا يتخطّى هذا العالم. فكما أن الجنين يبقى في رحم أمّه تسعة أشهر يتحضّر فيها ليأتي إلى هذه الحياة، هكذا أيضًا نتحضّر نحن في هذه الحياة لنذهب إلى حياة أخرى.
يقول الروائيّ الروسيّ أندريه بيرتوف الذي نشأ في بيئة ملحدة:“بدون الله لا معنى للحياة”. لقد توصّل إلى هذه النتيجة وهو في قمّة شعوره بالفراغ. ومذ أدرك أن لا قيمة للحياة دون الله تغيّر نمط حياته كلّيًّا.
فحياتنا هي من الله ولله. فأنت لست صدفة. فحتّى لو لم يخطّط أبواك لإنجابك، فقد فعل الله ذلك. لقد فكّر فيك أوّلاً. فأنت تتنفّس في هذه اللحظة لأنّ الله يريد ذلك. أنت حيٌّ لأنّ الله أراد أن يخلقك:“لأنّك أنت اقتنيت كليتيّ. نسجتني في بطن أمّي. أحمدك من أجل أنّي قد امتزتُ عجبًا. عجيبةٌ هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينًا. لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنِعَت في الخفاء، ورُقِمَت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي وفي سِفْرِك كلّها كُتبت يوم تصوّرَتْ، إذ لم يكن واحدٌ منها”(مز 139: 13-16).
أمّا ما دفع الله إلى خلقك فهو محبّته. فهو قد فكّر فينا حتّى قبل أن يخلق العالم: في الحقيقة هو خلقه من أجلنا. فهو قد اهتمّ بكلّ تفصيل دقيق فيه ليلائمنا. ولماذا؟ لماذا خلق هذا العالم من أجلنا؟ لأنّه “محبّة”.
الكتاب المقدّس يقول:”الله محبّة”.
لم يقل: “عنده محبّة”، أو أنّه “يحبّ”. قال “هو محبّة”. فهناك محبّة كاملة في شركة الثالوث، ولذلك هو ليس وحيدًا، ولكّنه أراد خَلْقَكَ ليعبّر عن محبّته، خلقك لهدف، وحياتك لها معنى عميق. وأنت تكتشف هذا المعنى وهذا الهدف فقط عندما تتّخذ من الله مرجعًا لحياتك. فهل أنت مستعّدٌ لذلك؟
“فإنّه فيه خُلق الكلّ: ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، سواء كان عروشًا أم سياداتٍ أم رياساتٍ أم سلاطين. الكلّ به وله قد خُلق”(كولوسي 1: 16).
ما الذي يوجّه حياتك؟
هناك الكثير من الأمور التي قد توجّه حياتك. وإليك أهمّ خمسةٍ منها:
1-الشعور بالذنب: أناس كثرٌ يقودهم الشعور بالذنب، فيقضون حياتهم يهربون منه. هم يسمحون لماضيهم أن يتحكّم بمستقبلهم. صحيح أنّك وليد ماضيك، ولكن عليك ألاّ تكون أسيره. فمهما تكن عظمة ذنوبك، تبقى رحمة الله أعظم منها: “طوبى للذي غُفر إثمه وسُتِرت خطيئته. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الربّ خطيّة”(مز 32: 1).
2-الحقد والغضب: مِن الناس مَن يخفي غضبه وحقده ومنهم من ينفجر في وجه الآخرين، وكلا الأمرين غير صحيّ وغير مفيد. وهناك أناس كثرٌ يغذّون الألم أكثر فأكثر في عقولهم عوض أن يتخطّوه بالمغفرة. فبينما ينسى من أساء إليك إساءته ويتابع حياته بشكلٍ طبيعيّ، تبقى أنت تغذّي ألمك وتأبى أن تتخطّاه. انتبه: إن الذين أذوك في الماضي لا يستطيعون أن يأذوك الآن إلاّ إن تمسّكت أنت بالألم من خلال حقدك عليهم. إن ماضيك مضى. لا شيء سيغيّره. بمرارتك وحقدك، أنت تؤذي نفسك فقط: “لأنّ الغيظ يقتل الغبيّ”(أيوب 5: 2).
3-الخوف: الخوف سجن ٌيمنعك من أن تصبح ما يريده الله لك. عليك أن تواجهه بسلاح الإيمان والمحبّة: “لا خوف في المحبّة، بل المحبّة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، لأنّ الخوف له عذاب، وأمّا من خاف فلم يتكمّل في المحبّة”(1يو 4: 18).
4-الأمور المادّيّة: طموح البعض بالتملّك يصبح هدف حياتهم. هم يظنّون أنّهم كلّما امتلكوا أكثر كلّما صاروا أكثر سعادة، أكثر أهميّة، أكثر أمانًا. ولكن قيمتك أنت لا تحدّدها أموالك، وشعورك بالأمان والسعادة ليس أساسه المال. فالمال قد تفقده، أمّا كنزك الذي لا يفنى والذي هو أساس سعادتك الحقيقيّة وطمأنينتك التي لا يستطيع أحدٌ انتزاعهما منك، فهو علاقتك بالله.
5-الحاجة إلى التقدير: بعض الناس يسمحون لتوقّعات الآخرين أن تتحكّم بحياتهم. “أنا لا أعرف كلّ مفاتيح النجاح، ولكن أحد مفاتيح الفشل هو محاولة إرضاء الجميع”. “أفأستعطف الآن الناس أم الله، أم أطلب أن أُرضي الناس؟ فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح”(غلا 1: 10). فتحكّم آراء الآخرين بك هو طريق مضمونة لتفويت هدف الله لحياتك: “لا يستطيع أحدٌ أن يعبد ربّين”(متّى 6: 24).
فما الذي يوجّه حياتك أنت؟
أإحدى هذه الأمور أو شيء آخر؟ وما هو هدف حياتك؟ الهدف الذي يجب أن تعرفه، إذ لا يوجد شيء أكثر أهمّية من أن تعرف هدف الله لحياتك، ولا شيء يمكن أن يعوّض هذه الخسارة: “لأنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟”.
فبدون هدف، لا معنى للحياة.
فوائد معرفة هدف الحياة:
1-معرفة الهدف تعطي معنًى لحياتك:
نحن صُنعنا ليكون لنا معنى. وبدون الله لا هدف للحياة، وبدون هدف لا معنى للحياة. فالمأساة الحقيقيّة ليست الموت، بل الحياة دون هدف نتوخّاه برجاء كبير. فالرجاء ضروريّ للحياة كما الماء والهواء. فقد تشعر أنّك تواجه وضعًا لا يحتمل، ولكن الكتاب يقول:“والقادر أن يفعل فوق كلّ شيء أكثر جدًّا ممّا نطلب أو نفتكر بحسب القوّة التي تعمل فينا” (أف 3: 20).
2-معرفة الهدف تبسّط حياتك:
فالهدف يصبح المقياس الذي تستخدمه لتقييم ما هي الأنشطة الضروريّة وتلك غير الضروريّة.
يصبح الأساس الذي تبني عليه قرارتك وتنظّم وقتك، وتستخدم مواهبك.
فمن المستحيل أن تقوم بكلّ ما يريدك الناس أن تفعله، إذ إنّ لديك الوقت الكافي فقط لتفعل مشيئة الله. فالحياة المنطلقة نحو الهدف تقود إلى بساطة الحياة وإلى سلام الذهن: “ذو الرأي الممكن تحفظه سالمًا لأنّه عليك متوكّل”(إش 26: 3).
3-معرفة الهدف تجعل حياتك أكثر تركيزًا:
فهي تركّز جهدك وطاقتك على ما هو مهمّ، فتصبح أكثر فاعليّة عن طريق انتقاء ما تقوم به. لقد لاحظ هنري ثورو أنّ الناس يعيشون حياةً من “اليأس الهادئ”، لكنّ الوصف الأفضل في يومنا هو “اللهو الخالي من الهدف”.
فبدون هدف واضح سوف تستمرّ في تغيير الاتّجاهات والوظائف والعلاقات. يقول الكتاب:“من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الربّ” (أفسس5: 17).
إنّ الرجال والنساء الذين غيّروا مجرى التاريخ كانوا الأكثر تركيزًا. يقول الرسول بولس: “ولكنّي أفعل شيئًا واحدًا إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام”(فيلبّي3: 13). من هنا، إن أردت أن يكون لحياتك تأثير، قم بتركيزها، حدّد أولويّاتك.
4-معرفة الهدف تحفّز حياتك:
لا شيء يمكنه أن يمدّك بالطاقة أكثر من هدف واضح، في حين أنّ الشغف يتبدّد عندما يُفقد الهدف.
5-معرفة الهدف تؤهّلك للأبديّة:
يقضي كثير من الناس حياتهم في محاولة تحقيق صيت شائع وذكرى خالدة، ولكن ما يهمّ في النهاية ليس ما يقوله الآخرون بل ما يقوله الله. فكلّ ما يحقّقه الناس سيُنسى في النهاية. فالعيش لتحقيق هدف أرضيّ هدف قصير المدى، بينما الاستخدام الأكثر حكمة للوقت هو في بناء ميراثٍ أبديّ. فأنت لم توضع على الأرض ليتذكّرك أحد لكنّك وُضعت لتتأهّل للأبديّة. “لأنّنا جميعنا سنقف أمام كرسيّ المسيح…إذًا كلّ واحدٍ منّا سيعطي عن نفسه حسابًا لله” (رومية 14: 10، 12). لحسن حظّنا أنّ الله يريدنا أن ننجح في هذا الاختبار لذلك أعطانا الأسئلة مسبقًا. السؤال الأوّل هو “ماذا فعلت بابني يسوع المسيح؟”، والسؤال الثاني هو ” ماذا صنعت بما أعطيته لك؟”
اضف رد