عرفت معنى الحرمان منذ طفولتي، فقد ولدت في كوخ متواضع ليس به سوى مقعد خشبي وسرير من جذوع الأشجار و وسادة من القش، وكان أبي يعمل مزارعا تارة ونجارا تارة أخرى، وبرغم إنه كان أميا إلا أنه حرص على ذهابي للمدرسة فتفوقت و أحببت قراءة الكتاب المقدس إلا أني كنت أكره الظلم والاستعباد.
شهدت طفولتي عاصفة أخرى، فقد ماتت أمي وأنا في التاسعة من عمري ولا أنسى أبدا تلك الليلة التي جلست فيها مع أبي لنصنع تابوتا خشبيا ندفن فيه أمي، كم بكيت وأنا أفكر في محبة الأم و زاد من صعوبة الأمر إني سمعت من أصدقائي أن أبي سيتزوج من سيدة لها 3 أطفال وسيكون لي زوجة أم، فحزنت كثيرا و أعتقدت إن الله قد تركني ولكن الإنسان قصـير النظــر دائما لا يعـرف إن الله يــدبر له الخير، فقد كانت زوجة أبي إحدى نعم الله علي، كانت سيدة متدينة تحب الجميع و تهوى القراءة خاصة قراءة الكتاب المقدس.
هل يتصور أحد إنها كانت تدافع عني وتوبخ ابنها في أي مشاجرة بيننا؟ بل إني لن أنسى لها يوم أراد أبي أن يجعلني نجارا مثله و وقفت هذه السيدة العظيمة تتوسل إليه أن يدعني أكمل دراستي.
فأكملت دراستي بجانب مساعدتي لأبي في عمله الزراعي وحرث الأرض وجني المحصول ودرست القانون وأصبحت محاميا ورشحت نفسي للانتخابات لكني فشلت، ولكن الأيام علمتني ألا أيأس أبدا، فعكفت على تعلم قواعد اللغة الإنجليزية ورشحت نفسي ثانية و نجحت.
إنه ابراهام لنكولن الذي لم ينس تعاليم الإنجيل بل كان يحولها لسلوك شخصي، فكان يزهد في المال والجاه ويعطف على الفقراء ولا يؤمن بالرق والعبودية، فتزعم حركة تحرير العبيد، و من كلماته: (إن أعظم أجر يتقاضاه المحامي ليس هو المال بل دفاعه عن متهم برئ أو فقير مظلوم أو يتيم أو أرملة) فدافع عن آلاف المظلومين و رفض أن يتقاضى أتعابا من الفقراء، وعرف بوطنيته وإيمانه وحبه للناس ودعي محرر العبيد، فالتف حوله الجميع وأنتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عام 1861.
فهل تعلم أين ذهب في نفس اليوم الذي تولى الرئاسة ؟ كانت أول زيارة له لزوجة أبيه وفاءً لها و كان الجو قاسيا ولم يتمكن من استقلال سيارة إلي هناك، فركب قطار البضاعة و ذهب إليها وقبل يديها وتناول معها العشاء.
لم تغير الرئاسة شخصيته بل ظل بسيطا متواضعا يفتح قلبه للجميع وباب داره للفقراء مما كان يثير غيظ زوجته الأرستقراطية.
كان همه الوحيد إلغاء الرق (العبودية) و قد لاقى صعوبات كثيرة في سبيل ذلك لكن شعاره كان: (إن الناس ولدوا أحرارا فكيف نجعلهم عبيدا؟)
ولم يميز نفسه عن الآخرين، فقد كان يقول: (لأني غير مستعد لأن أكون عبدا، فإني أرفض أن أكون سيدا أيضا).
إنه أحد العباقرة الذين تفوقوا على أنفسهم وأحبوا الإنسانية وبذلوا أنفسهم عنها فاستحقوا أن نكتب قصص حياتهم لتكون نموذجا لكل إنسان حتى ينجح في حياته ويكتشف ذاته ويسعد بمساهمته في إسعاد الآخرين.
“لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح”
(2تي 1: 7)
اضف رد