حياة القديس نوهرا الشهيد – (شفيع البصر)

حياة القديس نوهرا الشهيد

انّ القدّيس نوهرا الشهيد كان سريانيًّا من مدينة ساموزات التابعة لإنطاكية من أسرة عريقة في الفضل والفضيلة ووالدين مسيحيّين صالحين صرفا جلّ العناية في تهذيبه وتثقيفه، فأرضعاه لبان التقوى والعلم والأدب منذ طفولته، فقد والديه وهو في الثانية عشرة من عمره، فكرهت نفسه أباطيل الدنيا وبهجتها وعافت زخارفها وبهجتها وتاقت إلى الحياة الإكليريكيّة أو بالحري نزعت إلى الحياة النسكيّة
فباع كلّ مقتناه ووزّعه على المساكين امتثالاً لمشورة سيّدنا يسوع المسيح القائل لذلك الشاب:

“إن شئت أن تكون كاملاً امضِ فبعْ مقتناك وأعطه للمساكين فيكون لك كنـز في السماء وتعال اتبعني”. (متى 19 : 21)

فلجأ إلى القدّيس مكاريوس وأكبّ على درس الكتب المقدسة عنده فبلغ منها مبلغًا بعيدًا واتخذ لنفسه حياة نسكية بحتة، ولم يكن يتناول من المأكل سوى القليل من الخبز اليابس والأعشاب الخضراء، ولم يقترب من النار مهما كان البرد قارسًا، وكان مزاولاً الصلوات والتأملات وملازمًا الصمت، ولمن يكن يفتح فاه إلاّ لشرح الأسفار المقدّسة، ولمّا نشأ ونما في العمر والعلم والفضائل رسم كاهنًا في إنطاكية، حينئذٍ شمر عن ساعد الجدّ والكدّ بتثقيف الناشئة إذ فتح لها مدرسة أسوة بأستاذه القدّيس مكاريوس، وقد طالما نزعت نفسه إلى الأعمال الخيريّة والتعاليم الروحيّة فصرف همّته إلى تعليق وتفاسير الكتاب المقدّس الضافية ودحض الارتقات وإظهار الحجج البيّنة في الأضاليل.

ثمّ أخلى ذراعه لترجمة الكتاب المقدّس من العبريّة إلى اليونانيّة فأصبح نابغة عصره وامام مصره وحجّة دهره يحطّ طلاّب العلوم رحالهم في فنائه ويستصبح جهابذة النظر بباهر ضيائه حتّى إنّ القدّيس إيرونيموس أخذ عنه من مواد تآليفه وتفاسيره للكتب المقدّسة، فأمسى منقطع النظير بعلومه وأشدّ رجال الدين غيرةً وعملاً في حقل الكنيسة وأكبر دعامة للديانة المسيحيّة في عصره.

فوُشِيَ به إلى الملك مكسيميان الطاغي الذي أمر بإحضاره. حينئذٍ لجأ إلى البراري عملاً بمشورة سيّدنا يسوع المسيح القائل:
إذا اضطهدوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى (متى 10-27).

وكان هناك كصوت صارخ في البرية ينير بإرشاداته ومثاله وتعاليمه يهدي ويرشد إلى طريق الخلاص.

فأرسل الملك جنودًا فقبضوا عليه واقتادوه إلى السجن، وفي طريقه صادف جنودًا من تلاميذه كانوا قد أنكروا الديانة المسيحيّة خوفًا من الاضطهاد ولكنّهم عند رؤيتهم هذا القدّيس مقتادًا إلى السجن واستماعهم إرشاداته السديدة عادوا واعترفوا علنًا بالدين المسيحيّ وكانوا نحو أربعين جنديًّا فقتلوا منهم بعضًا واقتادوا بعضًا للسجن.
وفي مروره أيضًا على مدينة نيقوميديا وجد قسمًا من المسيحيّين قد ضعفوا في إيمانهم فشدّد عزمهم وشجّعهم على الاحتمال وثبّتهم في الدين المسيحيّ، ودعي بحقّ نوهرا أي النور لأنّه كان منارة بعلومه وفضائله ومثله، فزُجَّ في السجن حيث كان يضاعف صلواته وإرشاداته المفيدة.

وقد كتب رسالة من السجن لأهل أنطاكية وهو أسير يسوع المسيح يثبّتهم في الدين المسيحيّ. والملك مكسيميان لم يكن يقابله خوفًا من أن يرتشد بأنوار تعاليمه الساطعة لذلك كان يخاطبه بواسطة ترجمان قائلاً:
«أبعدوا هذا الرجل من أمامي لأنّني أصبحت بخطر عظيم من أن أصير مسيحيًّا من حججه الراهنة».
وقد وعده بأنّه يجعله مساويًا له في العرش إن جحد الدين المسيحيّ وإن أبى فيذيقه أمرّ العذابات، حينئذٍ سخر القدّيس بمواعيده ووعيده ونادى مكرّرًا أنا مسيحيّ.
فأعدّوا له خشبة مثقوبة من أربعة مواضع وأدخلوه فيها مضغوطًا فتكسّرت مفاصله وتخلّعت رجلاه وألقوه بهذه الحالة في السجن مع رفقائه مدّة أربعة عشر يومًا، وكانوا يقدّمون له من لحم الخنازير طعام الأوثان فكان يأبى قائلاً:

“أنا مسيحيّ”

وفي ليلة عيد الغطاس زاره بعض تلاميذه فطلب خبزًا وخمرًا ووضعهما على صدره وهو ممدود قائلاً:
صدري هو مذبح الربّ! وقدّس الخبز والخمر كما صنع سيّدنا يسوع المسيح في العشاء السرّيّ وناول تلاميذه وسبحان العناية الإلهيّة التي قيضت له ولتلاميذه هُنيهة لم يدخل عليهم أحد من الحرّاس.

ولما انتهوا إذا بوزير الملك يدخل على القدّيس ليرى هل هو حيّ أيضًا فابتدره القدّيس هاتفًا أنا مسيحيّ، فدهش الوزير من شجاعته واحتماله وصبره وسأله:
من أين أنت؟ أجاب: أنا مسيحي.
سأله: ما مهنتك؟ أنا مسيحي. من هم أهلك؟ أنا مسيحيّ.
وبعد جوابه الأخير طارت نفسه إلى السماء في اليوم السابع من كانون الثاني سنة ثلاثمئة واثنتي عشرة.

وما كان أجمل تأويل الذهبيّ الفمّ لأجوبة القدّيس: فبلاده هي السماء ومهنته من السماء وأنسباؤه في السماء.
ولفظة نوهرا سريانيّة تأويلها النور وهو شفيع خاص للبصر.

رزقنا لله شفاعته بنعمة سلطانة الشهداء والملائكة والقدّيسين. آمين.
وكتب العلماء البولنديست المدقّقون: إنّ الملك مكسيميان أمر بعد موت القدّيس نوهرا أن يعلّق في يمينه حجر ثقيل ويغرّق في عمق البحر ليخفى جثمانه ويمحو ذكره، ولكن قوّة الله التي حفظت يونان النبيّ في بطن الحوت سالمًا قد حفظت جسد هذا القدّيس سالمًا مدّة أربعة عشر يومًا، وفي هذا اليوم الأخير أوحى إلى أحد تلاميذه لأن يذهب مع رفاقه إلى سيف البحر حيث عيّن له المكان وهناك يجد جثّته سالمة من الفساد ويدفنوها، فسار جمهور إلى الشطّ ورأوا حوتاً صاعدًا من البحر يحمل جثّة القدّيس بإكرام طائفا بها على سطح المياه يشقّ الأمواج آتيًا إليهم، ولمّا بلغ الشطّ وضع جثّة القدّيس ومات فرحًا، وقد نقل التقليد إلينا أشعارًا كانت تنشدها العامّة نذكر بعضها معرّبًا:

فهـا التنين قد وافـى
على ظهـر يقل النـور
بتبجيـــل وإكــرام
ومن بهج يلاقي الحتـفبشوش الوجه معكافـا
فوق المــوج طوّافـا
تجــاه الناس آلافــا
عنـد الشــطّ مهتافـا

 وربّما كان هذا التقليد مصدرًا لاعتقاد العامّة في أسمر جبيل وغيرها من القرى اللبنانيّة حيث يكرّم القدّيس، إنّه يظهر أحيانًا على أمواج المياه البحريّة وفي الآبار.

(من كتاب: القديس نوهرا الشهيد شفيع البصر)

Comments

comments

  • حياة القديس نوهرا الشهيد

    حياة القديس نوهرا الشهيد – (شفيع البصر)

    انّ القدّيس نوهرا الشهيد كان سريانيًّا من مدينة ساموزات التابعة لإنطاكية من أسرة عريقة في الفضل والفضيلة ووالدين مسيحيّين صالحين صرفا جلّ العناية في تهذيبه وتثقيفه، فأرضعاه لبان التقوى والعلم والأدب منذ طفولته، فقد والديه وهو في الثانية عشرة من عمره، فكرهت نفسه أباطيل الدنيا وبهجتها وعافت زخارفها وبهجتها وتاقت إلى الحياة الإكليريكيّة أو بالحري نزعت إلى الحياة النسكيّة
    فباع كلّ مقتناه ووزّعه على المساكين امتثالاً لمشورة سيّدنا يسوع المسيح القائل لذلك الشاب:

    “إن شئت أن تكون كاملاً امضِ فبعْ مقتناك وأعطه للمساكين فيكون لك كنـز في السماء وتعال اتبعني”. (متى 19 : 21)

    فلجأ إلى القدّيس مكاريوس وأكبّ على درس الكتب المقدسة عنده فبلغ منها مبلغًا بعيدًا واتخذ لنفسه حياة نسكية بحتة، ولم يكن يتناول من المأكل سوى القليل من الخبز اليابس والأعشاب الخضراء، ولم يقترب من النار مهما كان البرد قارسًا، وكان مزاولاً الصلوات والتأملات وملازمًا الصمت، ولمن يكن يفتح فاه إلاّ لشرح الأسفار المقدّسة، ولمّا نشأ ونما في العمر والعلم والفضائل رسم كاهنًا في إنطاكية، حينئذٍ شمر عن ساعد الجدّ والكدّ بتثقيف الناشئة إذ فتح لها مدرسة أسوة بأستاذه القدّيس مكاريوس، وقد طالما نزعت نفسه إلى الأعمال الخيريّة والتعاليم الروحيّة فصرف همّته إلى تعليق وتفاسير الكتاب المقدّس الضافية ودحض الارتقات وإظهار الحجج البيّنة في الأضاليل.

    ثمّ أخلى ذراعه لترجمة الكتاب المقدّس من العبريّة إلى اليونانيّة فأصبح نابغة عصره وامام مصره وحجّة دهره يحطّ طلاّب العلوم رحالهم في فنائه ويستصبح جهابذة النظر بباهر ضيائه حتّى إنّ القدّيس إيرونيموس أخذ عنه من مواد تآليفه وتفاسيره للكتب المقدّسة، فأمسى منقطع النظير بعلومه وأشدّ رجال الدين غيرةً وعملاً في حقل الكنيسة وأكبر دعامة للديانة المسيحيّة في عصره.

    فوُشِيَ به إلى الملك مكسيميان الطاغي الذي أمر بإحضاره. حينئذٍ لجأ إلى البراري عملاً بمشورة سيّدنا يسوع المسيح القائل:
    إذا اضطهدوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى (متى 10-27).

    وكان هناك كصوت صارخ في البرية ينير بإرشاداته ومثاله وتعاليمه يهدي ويرشد إلى طريق الخلاص.

    فأرسل الملك جنودًا فقبضوا عليه واقتادوه إلى السجن، وفي طريقه صادف جنودًا من تلاميذه كانوا قد أنكروا الديانة المسيحيّة خوفًا من الاضطهاد ولكنّهم عند رؤيتهم هذا القدّيس مقتادًا إلى السجن واستماعهم إرشاداته السديدة عادوا واعترفوا علنًا بالدين المسيحيّ وكانوا نحو أربعين جنديًّا فقتلوا منهم بعضًا واقتادوا بعضًا للسجن.
    وفي مروره أيضًا على مدينة نيقوميديا وجد قسمًا من المسيحيّين قد ضعفوا في إيمانهم فشدّد عزمهم وشجّعهم على الاحتمال وثبّتهم في الدين المسيحيّ، ودعي بحقّ نوهرا أي النور لأنّه كان منارة بعلومه وفضائله ومثله، فزُجَّ في السجن حيث كان يضاعف صلواته وإرشاداته المفيدة.

    وقد كتب رسالة من السجن لأهل أنطاكية وهو أسير يسوع المسيح يثبّتهم في الدين المسيحيّ. والملك مكسيميان لم يكن يقابله خوفًا من أن يرتشد بأنوار تعاليمه الساطعة لذلك كان يخاطبه بواسطة ترجمان قائلاً:
    «أبعدوا هذا الرجل من أمامي لأنّني أصبحت بخطر عظيم من أن أصير مسيحيًّا من حججه الراهنة».
    وقد وعده بأنّه يجعله مساويًا له في العرش إن جحد الدين المسيحيّ وإن أبى فيذيقه أمرّ العذابات، حينئذٍ سخر القدّيس بمواعيده ووعيده ونادى مكرّرًا أنا مسيحيّ.
    فأعدّوا له خشبة مثقوبة من أربعة مواضع وأدخلوه فيها مضغوطًا فتكسّرت مفاصله وتخلّعت رجلاه وألقوه بهذه الحالة في السجن مع رفقائه مدّة أربعة عشر يومًا، وكانوا يقدّمون له من لحم الخنازير طعام الأوثان فكان يأبى قائلاً:

    “أنا مسيحيّ”

    وفي ليلة عيد الغطاس زاره بعض تلاميذه فطلب خبزًا وخمرًا ووضعهما على صدره وهو ممدود قائلاً:
    صدري هو مذبح الربّ! وقدّس الخبز والخمر كما صنع سيّدنا يسوع المسيح في العشاء السرّيّ وناول تلاميذه وسبحان العناية الإلهيّة التي قيضت له ولتلاميذه هُنيهة لم يدخل عليهم أحد من الحرّاس.

    ولما انتهوا إذا بوزير الملك يدخل على القدّيس ليرى هل هو حيّ أيضًا فابتدره القدّيس هاتفًا أنا مسيحيّ، فدهش الوزير من شجاعته واحتماله وصبره وسأله:
    من أين أنت؟ أجاب: أنا مسيحي.
    سأله: ما مهنتك؟ أنا مسيحي. من هم أهلك؟ أنا مسيحيّ.
    وبعد جوابه الأخير طارت نفسه إلى السماء في اليوم السابع من كانون الثاني سنة ثلاثمئة واثنتي عشرة.

    وما كان أجمل تأويل الذهبيّ الفمّ لأجوبة القدّيس: فبلاده هي السماء ومهنته من السماء وأنسباؤه في السماء.
    ولفظة نوهرا سريانيّة تأويلها النور وهو شفيع خاص للبصر.

    رزقنا لله شفاعته بنعمة سلطانة الشهداء والملائكة والقدّيسين. آمين.
    وكتب العلماء البولنديست المدقّقون: إنّ الملك مكسيميان أمر بعد موت القدّيس نوهرا أن يعلّق في يمينه حجر ثقيل ويغرّق في عمق البحر ليخفى جثمانه ويمحو ذكره، ولكن قوّة الله التي حفظت يونان النبيّ في بطن الحوت سالمًا قد حفظت جسد هذا القدّيس سالمًا مدّة أربعة عشر يومًا، وفي هذا اليوم الأخير أوحى إلى أحد تلاميذه لأن يذهب مع رفاقه إلى سيف البحر حيث عيّن له المكان وهناك يجد جثّته سالمة من الفساد ويدفنوها، فسار جمهور إلى الشطّ ورأوا حوتاً صاعدًا من البحر يحمل جثّة القدّيس بإكرام طائفا بها على سطح المياه يشقّ الأمواج آتيًا إليهم، ولمّا بلغ الشطّ وضع جثّة القدّيس ومات فرحًا، وقد نقل التقليد إلينا أشعارًا كانت تنشدها العامّة نذكر بعضها معرّبًا:

    فهـا التنين قد وافـى
    على ظهـر يقل النـور
    بتبجيـــل وإكــرام
    ومن بهج يلاقي الحتـفبشوش الوجه معكافـا
    فوق المــوج طوّافـا
    تجــاه الناس آلافــا
    عنـد الشــطّ مهتافـا

     وربّما كان هذا التقليد مصدرًا لاعتقاد العامّة في أسمر جبيل وغيرها من القرى اللبنانيّة حيث يكرّم القدّيس، إنّه يظهر أحيانًا على أمواج المياه البحريّة وفي الآبار.

    (من كتاب: القديس نوهرا الشهيد شفيع البصر)

    Comments

    comments

أقرأ المزيد
  • CONSECRATION-miraculous-medal (5)

    تساعية سيدة الأيقونة العجائبية

    باسم الآب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين.
     

    تُتلى الصلوات الثلاث التالية كلّ يوم في بداية التساعيّة
    هلمَّ أيّها الروح القدس

    فعل الندامة

    قانون الإيمان

    اليوم الأول:

    قيمة الأيقونة: انها تأتي من السماء
    نعم ,اذ انها ليست عمل فنان ماهر ولا تأليفا بارعًا أملاه تكريم حار لمريم.
    إنّها عطيّة العذراء القديسة نفسها، لقد اختارت جميع العلامات المحفورة عليها فينبغي علي إذًا أن أتأمل بمعناها.
    في مقدمة قداس اليوم السابع والعشرين من تشرين الثاني يوم عيد سيدة الأيقونة العجائبية نقرأ ما يلي:
    ’’ ستكون هذه كعلامة في يدك وبناء امام عينيك حتى تبقى شريعة الرب في فمك’’
    هذه هي ايقونتي:’’ علامة انتماء الى مريم وبناء امام عيني، أي مثال يجب ان اتشبه به’’
    هل أدركت حتى الآن كفاية قيمة الأيقونة العجائبية… هل أحملها بأمانة…

    اليوم الثاني:

    “كاترين لابوري حاملة سرّ مريم”

    يحبّ الله أن يستخدم ما هو ضعيف ومحتقر لدى العالم، لتحقيق تدبيره الخلاصيّ، حتّى يتبيّن أنّ الانتصار يأتي منه هو، فيمجّد ضعف الخليقة عظمته وحكمته تعالى

     ألم تكنهذه حال القدّيسة جان دارك وحال القدّيسة برناديت؟
    والعذراء القدّيسة اختارت راهبة مبتدئة صغيرة وأمّيّة، ابنة الريف، لتقدّم للعالم “الأيقونة العجائبيّة”. قالت الأخت كاترين لابوري يومًا: “استعملتني القدّيسة العذراء كي لا يستطيع أحد أن يشكّ!” ولزمت الصمت الكلّي، بتواضع عميق، طيلة حياتها، حول الإنعامات التي حصلت عليها. هذا الصمت أثار إعجاب البابا بيوس الحادي عشر لحظة تطويبها المجيد، فقدّم لها هذا التكريم الجميل:
    “إنّها حفظت سرّ ملكتها”.
    هل تجد القدّيسة العذراء في بعض الفضائل التي كانت تحبّها كثيرًا في الأخت كاترين لابوري؟ 

    اليوم الثالث:

    ’’ العذراء ذات الاشعة’’
    ’’ إنّ أيقونتي مختصر أخّاذ لمُجمل حقائق الايمان المسيحي’’
    هي نوع من منيمنة إلهية لم يغب عنها اي عنصر جوهري
    إن عقيدة الحبل بلا دنس كما تظهر على الأيقونة، متعلّقة بحقائق الإيمان الرئيسية من عقيدة الخطيئة الأصلية الى موضوع عيد الأيقونة العجائبية.
    إن العذراء النقيّة تطلّ علينا بيدين تنبعث منها أشعّة كما تقول هي، النعم التي توزعها على الأشخاص الذين يسألونها إيّاها.
    وفيما كانت كاترين تتعجّب من أن الاشعة لا تنبعث من الحجارة الكريمة التي تزين اصابعها ,اوحي اليها’’ ان هذه الحجارة التي تبقى في الظل تمثل النعم التي تنسون ان تطلبوها مني’’
    هل فهمتُ أني أحصل على النعم بشفاعة مريم…

    اليوم الرابع:

    ’’ يامريم يامن حبل بها بلا دنس، صلّي لأجلنا نحن الخطأة الملتجئين اليكِ’’.
    الصلاة المكتوبة على ايقونتي هي مريم نفسها التي علمتني اياها .
    هذه العبارة التي ترجمت الى كل اللغات وتردّدت في كل مكان من العالم، أدخلت الإيمان بالحبل بلا دنس الى جميع الأذهان والقلوب.
    لنرددها بدون كلل ولنعلمها لأطفالنا والمرضى ولجميع الذين هم في الضيق.
    لنزرع هذا الدعاء في الشوارع، في رحلاتنا وفي محيطنا العائلي والاجتماعي.
    هذا الدعاء الذي علمتني اياه مريم، هل يرد تلقائيا على شفاهي ..هل أتلوه بإيمان وثقة…

    اليوم الخامس:
    “الحيّة التي تدوسُ مريم رأسها”
    ورد في سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينك وبين المرأة، ستدوس رأسك وأنت ستحاولين أن تجرحي عقبها”.
    مريم هي تلك المرأة المعلن عنها منذ فجر الكون. وقد شاءت أن تظهر في هذه الحالة على الأيقونة. هذه الحيّة المنفرة، نحن نعرفها، إنّها التجربة، إنّه الشيطان: يصفر، يغوي، ويحاول أن يجرح العذراء، لكنّه يسعى باطلًا!
    إذ أنّها أقوى منه! إنّها بريئة من أي دنس! غالبًا ما تترصّدنا التجربة مثل الحيّة الجهنّميّة. ولكن لنا النعمة الإلهيّة لمساعدتنا! لنا مريم! لا ننسين هذا أبدًا!
    إذا ما تعرّضت للتجربة، هل أفكّر دائمًا في أن أدعو أمّي السماويّة؟
    هل أثق كفاية بشفاعتها الكليّة القدرة؟

    اليوم السادس:

    “حرف الميم (M) في الأيقونة”

    أجد على ظهر الأيقونة علامات رمزيّة، أوّلها الحرف الأوّل لاسم مريم المبارك: الميم (M) التي تبدو وكأنّها قاعدة لصليب يسوع.
    مريم لا تنفصل عن ابنها. ينبغي عليّ أن أدخلها إلى صلب حياتي، لكي تساعدني على حمل أثقالي.
    ليكن اسمها محفورًا في قلبي، حاضرًا دائمًا في ذاكرتي، مستعدًّا دائمًا لكي يتدفّق من شفاهي ولتكن كلمات القدّيس برنردوس مطبوعة في مخيّلتي: “إذا ما جابهتكم التجارب وساورتكم الشكوك، وانتابتكم المشقّات، ارفعوا أعينكم إلى النجمة وادعوا مريم!”.
    هل لمريم مكان في حياتي الشخصيّة والحميمة؟
    هل هي بالنسبة لي أكثر من تمثال؟ لا بل شخص حيّ، مستعدّ دائمًا لأن يستقبلني ويصغي إليّ ويستجيبنيي؟

    اليوم السابع:
    “صليب أيقونتي”
    الصليب الذي يعلو حرف الميم (M) هو رمز للحياة المسيحيّة كلّها. لقد تقاسمت القدّيسة العذراء الصليب مع يسوع. وتحلّت بالرأفة مع تحمّل الآلام.
    “وكانت أمّه واقفة” نعم وقفت مريم على أقدام هذا الصليب. وها هي تقدّمه لنا على الأيقونة واعدة إيّانا بأنّها ستقاسمنا صليبنا وتساعدنا على حمله.
    “إنّ الصليب هو الطريق الملوكيّ الذي يقودنا إلى السماء”. علَّ العذراء القدّيسة تفهمنا هذه الحقيقة!
    هل أطلب من العذراء القدّيسة أن تساعدني وقت المحنة؟
    هل أنا مقتنع بأنّها تتحسّس معي آلامي وتريد أن تخفّفها؟

    اليوم الثامن:
    “القلبان المحفوران على الأيقونة”

    إنّ قلب يسوع، المكلّل بالشوك، قريب من قلب مريم المطعون بالحربة. في الحبّ كما في الآلام، هذان القلبان لا ينفصلان.
    إنّ قلب يسوع هو مثال القداسة، ينبوع كلّ النِّعَم، وقلب مريم هو المرأة التي تعكس بأمانة الكمال الإلهيّ، القلب الذي بواسطته فاضت النِّعم على العالم.
    لا يجب أبدًا أن نَفصُل الأم عن الابن. إذ إنّ هذا الفصل يتعارض مع النظام الذي أراده الله. لنذهب دائمًا إذًا إلى يسوع بواسطة مريم ولا نفصل أبدًا بينهما في حبّنا.

    هل أنا وفيّ في تكريم قلب يسوع الأقدس في أوّل يوم جمعة من الشهر؟
    وفي تكريم قلب مريم الطاهر في أوّل يوم سبت من الشهر؟

    اليوم التاسع:
    “نجوم إيقونتي”
    إنّ النجوم الموجودة في الأيقونة رائعة الجمال، ولكنّها أيضًا رمزيّة!
    تذكّرنا بالرسل الاثني عشر، والقدّيسين الذين تبعوا المسيح يسوع مثلهم وحصلوا بشفاعة مريم على إكليل المجد.
    النجوم تبيّن ضرورة التزامنا الرسوليّ فنسعى وراء الأنفس التي فقدت إيمانها المسيحيّ، لا بل أصبحت وثنيّة (وكم هي للأسف كثيرة في محيطنا) فنقودها إلى يسوع بشفاعة مريم!
    هل أقوم بأي عمل رسوليّ؟
    هل أعي أنّي مسؤول عن الأصدقاء الذين يحيطون بي؟ وخاصّة عن ذويّ؟

    Comments

    comments

  • little-girl-with-jeus-icon

    صلاة توبة (القديس نيقولاوس – أسقف صربيا)

    أيها الربّ الكليّ الرحمة، أتوب أمامك عن كل خطايا البشرية.
    ها إنّ في دمي أصل كل الخطايا . لكني أحاول ليلاً نهاراً بمعونتك، واذا ما شملتني رحمتك، أن أخنق بذرة الشرّ الذي فيّ.

    أتوب إليك يا ربّي عن كلّ الغارقين تحت ثقل الاهتمامات العالمية، غير عارفين أن يُلقوا أحمال همومهم واهتماماتهم عليك.
    إنّ أخفّ الهموم تُعدُّ بالنسبة للإنسان الضعيف كحِملٍ لا يُحتمل، بينما بالنسبة إليك فإنّ جبلاً هائلاً من الإهتمامات هو ككرةٍ من الثلج تسقط في أتون نار.

    أتوب أمامك يا إلهي من أجل كلّ الرازحين تحت المرض، الذي ظهر نتيجة الخطيئة.
    فإذا ما تطهرت النفس عن طريق التوبة، عندها سيتلاشى المرض وتتلاشى معه الخطيئة، وتحلّ أنت وحدك في داخلي.

    أتوب أمامك عن كلّ الملحدين، الذين يضاعفون بإلحادهم هذا همومهم القلقة وأمراضهم، عليهم وعلى من حولهم.

    أتوب عن كلّ قاتل نفسٍ يقتل فينهي حياة غيره، لكي يحفظ حياته.
    اغفر لهم أيها الكلي الرحمة، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.

    أتوب أمامك عن أولئك الذين يستغلّون الآخرين ويكدّسون أموالهم، لأجلهم أنا أبكي بألمٍ وأتنهد.
    لأنهم قد دفنوا أرواحهم بأيديهم. بأيّ هيئةٍ سيمثُلون أمامك !

    أتوب أمامك عن كلّ المتكبّرين والمتعجرفين، أبكي لأجلهم وأتنهد لأنهم سيكونون أمامك مثل الشحاذين.

    عن الشفاه الكاذبة، عن العيون غير الطاهرة، القلوب القاسية، البطون التي لا تشبع، الأذهان المظلمة، الرغبات السيئة، الأفكار الرديئة، عنها كلّها ولأجلها أبكي وأتنهد.

    أتوب عن تاريخ البشرية منذ آدم حتى يومي هذا أنا الخاطئ، لأنّ كلّ هذا التاريخ يسري في دمي وأكرّره كلّ يومٍ في حياتي.

    عن كلّ كبيرٍ أو صغيرٍ لا يرتعد ويخاف أمام حضورك الرهيب، عنهم أبكي وأتنهد وأصرخ، أنت أيها السيد الكلي الرحمة، ارحمني وخلصني.

    القديس نيقولاوس (أسقف صربيا)

    Comments

    comments

  • صلاة الاتكال على قلب يسوع

    صلاة الاتكال على قلب يسوع

    يا قلب يسوع الحلو، لم يُسمع أبداً انك أهملت أحداً من الّذين التجأوا إليك وطلبوا عونَك واستعطفوا رحمتَك.
    ها أنا آتٍ إليك مدفوعاً بهذه الثّقة وأجثو أمامك نادماً على خطاياي.
    فلا تحتقرْ صلواتي بل أنصت إليها واستجبْها بحنوّك، آمين.

    يا يسوع: إني بإسم مريم، أوكل قلبك بهذه (النعمة أو النفس) فانظُر يا يسوع واعمل بما يوحيه إليك قلبُك الشفوقّ.

    يا يسوع إني أتّكل عليك وأثق بك فلا تخيّبْني.
    يا يسوع إغفر لي وارحمني.




    أذكر أيها القلب الإلهي أنّ كلّ ما عملتَه هو لأجل خلاص نفوسنا فلا تسمحْ بأن تهلك.
    أذكر محبّتك العظيمة التّي أحببتنا بها فلا تطردْ نفسي الآتية إليك وهي مثقَلة بالخطايا.

    أشفقْ على ضعفي ونجّني من الأخطار المحدقة بي.

    إني أتقدّم إلى قلبك، مملوءا ثقة، فاقبلني بحنوّك الغير المتناهي واجعلني أشعر بعطفْك ومحبتك لي.
    كُنْ سندي ووسيطاً لي عند أبيك الأزلي. وبحقّ دمك الثّمين واستحقاقاتك الغير المتناهية أعطِني القوّة في ضعفي والتّعزية في شقائي والنّعمة لكي أحبَّك في هذه الدّنيا وأمتلكك في الآخرة.
    آمين.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد من  غير مصنف

Facebook Comments

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>