اليوم الثالث والعشرون (تأمل في ان محبة قلب يسوع تحمل على التجرد من محبة الخلائق):
إن الأنسان خليقة ناقصة ولذلك يشعر بميل شديد الى ثانِ يكمله ويسد عوزهُ. وهذا الثاني نظنهُ في جهلنا احدى الخلائق او أحد خيرات الدنيا فنتعلق به كل التعلق بالخليقة او بأحدى خيرات الأرض أمسى بالخطيئة الأصلية وبالاً على الأنسان لأنه يبعدهُ عن الله ويحرمهُ الخيرات الأبدية لأن النفس البشرية مخلوقة على صورة الله ومثاله فلا يستطيع ان يكملها ويسد عوزها غير الله وحدهُ.
ولذا سمعنا ربنا يسوع يقول لنا في أنجيله الطاهر: ((لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئتُ لألقي سلاماً لكن سيفاً، فأني أتيتُ لأفرق الأنسان من الخليقة)). (متى 10 : 34).
على ان الله يريد قلبنا كله او لا شيء من، ولا يكون قلبنا كله لله اذا تعلق ولو تعلقاً خفيفاً بأحدى الخلائق.
فلم يتعلق أحد بخليقة إلا ضلّ وشقى، ولذا كان جميع القديسين مجردين كل التجرد من الخليقة ليملأ الله وحده قلوبهم وهذا هتافهم:
((من لي في السماء وماذا أردت سواك على الأرض انت اله قلبي ونصيبي الى الدهر)) (مز 72 : 25 – 26).
وكان القديس بولس الرسول يعد جميع الخلائق نفاية ليربح المسيح (فيلبي 3 : 8).
فلا يمكننا بدون هذا التجرد ان نحب حقاً قلب يسوع الأقدس ونكون متعبدين مخلصين لهُ.
ولذا كانت القديسة مرغريتا مريم تحث كثيراً تلميذاتها على التجرد من الخلائق بقولها لهنّ: ((ان قلب يسوع لا يسر بقلب منقسم فأنه يطلب قلبكم كله او لا شيء منه، فاذا لا تنزعوا منه حب الخلائق حرمكم هو محبته وترككم على شأنكم)) وقالت ايضاً: ((ان ما يضعف نعمة الحب الألهي في قلبنا هو تعلقنا الشديد بالخليقة وتسلياتها ، فينبغي لنا اذن ان نموت عن كل ذلك لكي يملك علينا الحب الطاهر)).
فلنقلع اذن من قلبنا كل تعلق منحرف بالخليقة ليملك عليه قلب يسوع وحده ويجعله نعيمه.
إن نفسنا أرفع من ان تكون مقيدة بمحبة خليقة حقيرة فانية وهي مختارة لتكون عرش الله.
خبر:
كان القديس فرنسيس دي بورجيا في اول امره احد أشراف مملكة أسبانيا، وكان لهذا الأمير امرأة تدعى ايزابيل، فاقت نساء عصرها بحسنها وجمالها، فتعلق بها قلب فرنسيس تعلقاً شديداً بهذه الخليقة وأحب جمالها حباً أشغل جميع أفكاره وعواطفه.
فأراد الله في جزيل رحمته ان يُظهر لفرنسيس بُطلان هذا الجمال المخلوق ليستولي هو وحده على قلبه عوض هذه الخليقة ويرشدهُ الى محبة الجمال الأزلي غير المخلوق، فأنتظر لهذا التغيير موت ايزابيل الملكة.
فأراد فرنسيس ان يرافق الجثة الى قبر الملوك في غرناطة، ولما بلغ النعش مقرهُ وأزيح عنه لتحقيق الجثة وجدها فرنسيس في غاية السماجة والقباحة فضلاً عن نتانتها الكريهة، فأنتبه إذ ذاك من سباته وعرف بطلان الجمال الأرضي وندم غاية الندم على ترك قلبه يتعلق بخليقة حقيرة لا تولي محبتها سلاماً وراحة.
ثم عزم عزماً مكيناً على هجران الدنيا وتخصيص قلبه بمحبة يسوع لا غير وبهذه المحبة أضحى قديساً جليلاً وظفر بالسعادة الدائمة.
إكرام:
اذا أغوتكَ خليقة بجمالها الفاني والباطل اجتنب معاشرتها ومكالمتها لئلا تستولي على قلبك فتحرمك محبة قلب يسوع الغالية.
نافذة (تقال ثلاث مرات دائماً):
يا قلب يسوع الأقدس لا تدعني أحب أحداً سواك.
اضف رد