إنّ صلاة المسبحة، قديمة العهد، على ما ورد في كتابات المؤرخين القدامى.
إذ إنّ المسيحيّين في القرون الأولى، كانوا يستعملون الحبل المعقود عقداً معدودة، في عدّ أعمالهم القوية، فينقلون إبهامهم، على العقدة تلو الأخرى.
ولما تأسست الأديرة والرهبنات، من القرن الرابع وصاعداً، كان الرهبان يصلّون الفرض مشتركين، وكان يقتصر على تلاوة الصلاة الربية “الأبانا” و”السلام الملائكي” وترتيل المزامير الداودية، البالغ عددها مئة وخمسين مزموراً. وكان الرهبان الموكلين للعمل في الأرض معفيين من ترتيل المزامير إذ كانوا يستعيضون عنها، بتلاوة الصلاة الربية ثم مئة وخمسين مرة السلام الملائكي، مستخدميتن الحبل المعقود بمئة وخمسين عقدة.
إذاً إنّ صلاة المسبحة هي من وضع بشريّ، إلى أن تدخلت العذراء مريم، بظهورها الشهير، على القديس عبد الأحد، فشدّدت على هذه الصلاة، واختارتها كصلاة مرضيّة لدى الله، ومحبّبة إليها.
ولد القدّيس عبد الأحد في إسبانيا سنة 1170 وتوفي سنة 1221.
أنشأ صلاة الورديّة في فرنسا، وذلك بإيحاء من السّيّدة العذراء، وبها ردّ من الخطأة إلى الله شعوباً لا تحصى.
كان القدّيس عبد الأحد، شغوفاً منذ صغره في إكرام العذراء مريم. وكان يمتلئ غيرة، حارب بها بدعاً كثيرة، وهرطقات ظهرت على أيّامه، وخصوصاً بدعة “الألبيجازيين” التي تفشّى من جرّائها أوبئة مخلّة في الآداب، بحيث لم يستطع وحده صدّ التيّار الملتوي بما في ذلك من خطر على الإيمان.
فالتجأ إلى مغارة على مقربة من مدينة “تولوز” في فرنسا، وصار هناك يتضرّع إلى الله، ويطلب منه بشفاعة العذراء مريم، أن يُساعده في إيجاد علاج لهذا الوباء.
وبعد ثلاثة ايّام من الصّوم، والتقشّف والصّلاة والإبتهال إلى العذراء المجيدة، تلطّفت عليه وتراءَت له، وأشارت إليه بأن يتّخذ صلاة الورديّة دواءً شافياً لعصره، وسلاحاً كافياً لردّ كلّ أعداء الكنيسة.
أمّا ظهور العذراء لعبدها الأمين على حسب ما رواه المؤرّخون، فكان على هذه الصّورة:
كانت العذراء سيّدة جميلة جدّاً، ومعها ثلاث سيّدات، كلّ واحدة منهنَّ معها خمسين فتاتاً بثياب مختلفة.
السّيّدة الأولى، تلبس مع فتياتها ثياباً بيضاء، عبارة عن خمسة أسرار الفرح.
السّيّدة الثانية، تلبس مع فتياتها ثياباً حمراء، إشارة إلى خمسة أسرار الحزن.
والسّيّدة الثالثة، تلبس مع فتياتها ثياباً مذهّبة، علامة لخمسة أسرار المجد.
بعد أن تلقّى القدّيس رسم هذه الصّلاة من العذراء، رجع حالاً إلى مدينة “تولوز” وأخبر الجميع ما حصل وما رأى في خلوته.
بعد ظهور العذراء على عبد الأحد، عمل على تنسيق هذه الصلاة، فدُعيَت بصلاة الورديّة، أو “المسبحة الورديّة”، وعمل كثيراً على نشرها بين المؤمنين بكل حماس وغيرة.
أيّها القدّيس عبد الأحد، كاهن الله والأب المجيد، يا من كان صديقًا وابنًا حبيبًا ومديحًا مقرّبًا للملكة السّماويّة، وقد صنعت آيات وافرة مستعينًا بالورديّة المقدّسة، إبتهل من أجلنا إلى ملكة الورديّة وابنها الإلهيّ. آمين.
(منقول من موقع مار أنطونيوس الكبير)
اضف رد