مَن مِنّا لَم يَختَبِر الألمَ في حياته أو لَم يَمُرّ في ظروفٍ خانقة كادَت لوهلةٍ أن تُفقِدَه ثقتَه ورجاءَه بالرّبّ؟ يعتقد البعض بأنّ المؤمن لا يُمكِن أن يُصابَ بِمَرضٍ أو حتّى بألَم، على الرغم من تحذير كلمة الله لنا بأننا سنُواجِه ضيقاتٍ وآلام (يو 33:16). وقد كلمنا الرّسول بولس على أنّ الألمَ هو هبةٌ من الله يختبرونه مع ايمانهم به (في29:1)، إذ أنه “بضيقاتٍ كثيرة ينبغي أن (يدخلوا) ملكوت الله” (أع 22:14).
يذكر الكتاب المقدّس ثلاثة أنواع من الآلام.
منها ما فُرِض علينا نتيجة خطيّة آدم وحواء، كالتّعب والشّقاء لتأمين لقمة العيش والألَم عند الولادة؛ ومنها ما نحصُده نتيجة خطايانا؛ ومنها ما هو بحسب مشيئة الله. فيَسهَل علينا أن نتحمّل النّوع الأوّل، كما نستطيع أن نتفهّم النّوع الثّاني، ولكن من الصّعب جدًّا أن نرضخ ونتقبّل النّوع الثّالث. أحياناً نتساءل لماذا يسمح الله بالألَم إن كنّا أوفياء له ومتمسّكين بكلمته ونعيش حياة تقيّة بعيدة كلّ البعد عن شهوات العالم ومغرياته، غير أن هناك أهدافاً عدّة تقف وراء الألم.
امتحان الايمان:
يُجيز الصّائغُ الذّهبَ في النّار ليمتحنه جيّدًا وليُقدّمه في أفضلِ لمعانٍ، وهكذا الله يُجيزنا في آتون الآلام كي يَمتحِن إيماننا ويعلَم إن كنّا نحبّه من كلّ قلوبنا ومن كلّ أنفسنا وكي يعرضنا أيضًا للمدح والمجد والكرامة عند استعلان يسوع المسيح (1بط 7:1).
النضج الروحي:
الكتاب المقدّس مليء بالآيات الّتي تحرّضنا على النّمو والسّلوك بالرّوح وليس بحسب الجسد. فتأتي التّجارب والآلام لتجعلنا نتخطّى مرحلة الطّفولة إلى مرحلة النّضج الرّوحيّ. وهذه الآلام، رغم أنّها قاسية ومُذلّة في أكثر الأحيان، تجعل من المؤمن رجلاً أكثرَ صلابةٍ وقوة.
الأتيان بثمار:
إنّ دور الكرّام هو نزع الأغصان الّتي لا تأتي بثمر وتنقية الأغصان الحيّة كي تأتي بثمرٍ أكثر (يو 2:15). وهذا ما يقوم به الله في حياتنا إذ ينقّينا من كلّ ضعفاتنا لنثمر ويستخدمنا بشكلٍ واسعٍ وفعّال في الحياة. كثيرًا ما تكون عمليّة التّنقية موجِعَة إلاّ أنّ نتيجتها مباركة ومثمرة.
اعادة الصياغة:
عندما يَفسَدُ الوعاء الذي يَصنَعُه الفخّاريّ من الطّين، يعود ويعمله وعاءً آخر كما يَحسُن في عينيه (إر 18: 4-6). هكذا نحن بين يديّ الرّبّ؛ فهو يُشكّلنا كما يريد كي نصبح أكثر شبهًا بالرّبّ يسوع. وهذه العمليّة قد تستغرق وقتًا طويلاً لذا علينا أن نُخضِع ذواتنا من دون عناد لأصابعه وهي تعمل فينا.
الحفاظ على التواضع:
الإنجازات التّي نحقّقها تدفعنا في أكثر الأحيان إلى التّكبّر ورؤية أنفسنا أفضل من الآخرين. لذا يسمح الله للألم بأن يعترض طريقنا ليُبقينا متواضعين. وهذا ما حصل تمامًا مع بولس الرّسول إذ أُعطِيَ شوكةً في الجسد لئلاّ يرتفع بفرط الإعلانات.
تعزية المتألّمين:
ما من أحدٍ، مهما كانت علاقته بالرّبّ قويّة جدًّا، يقدر أن يعزّي متألّمًا بطريقة فعّالة إلاّ إذا كان قد اختبر بذاته نفس الآلام لأنه يستطيع أن يشعر بذلك الألم ويتحسّس تلك الأحزان. وهذا ما نراه في شخص الرّبّ يسوع المسيح القادر أن يرثي لضعفاتنا ويعين المجرَّبين بيننا لأنّه تجرّب في كلّ شيء مثلنا من دون أن يتجرّب بالخطايا.
رؤية الرّبّ:
كان ايوب رجلاً كاملاً ومستقيمًا أمام الله واختبر أشدّ أنواع الآلام. ففي يومٍ واحدٍ خسر أبناءه وغلمانه جميعهم وكلّ مواشيه، وبعدئذٍ ضربه الشّيطان بقرحٍ رديء. إلاّ أنّه، بعدما خاض معركته المريرة مع الألم، اعترف للرّبّ قائلاً: “بسَمعِ الأذنِ قد سمعتُ عنك، والآن رأتكَ عينيّ” (أي 5:42).
تمجيد الله:
خلقنا الله لمجده، وهو يستخدم آلامنا لتمجيد اسمه. فعندما أُبلِغ يسوع بمرض لعازر قال لتلاميذه بأنّ “هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، ليتمجّد ابن الله به” (يو 4:11).
كما أنّ الآلام والتّجارب القاسية الّتي واجهها كلّ من النّبيّ دانيال ورفاقه الثّلاث جميعها آلت إلى تعظيم الرّبّ وتمجيد اسمه أمام الملك والمملكة.
الألم إذاً لا يجب أن يشكّكنا في أمانة الله وعدله بل هو لتدريبنا على قبول مشيئة الله في حياتنا. وإذا تلبّدت السماء اليوم بالغيوم السّوداء فإنّها لن تدوم على هذه الحال إلى الأبد، بل سيأتي اليوم الّذي سيُمطِر الله فيه بركاته علينا. ما علينا إلا أن ننتظر الرّبّ بهدوء ونحتمل التّجارب بصبرٍ تامّ كي ننال إكليل الحياة الّذي وعد به للّذين يحبّونه.
Comments
comments
اضف رد