هناك إسطورة قديمة مفادها انه حين خلق الله العالم، اقترب منه أربعة ملائكة.
فسأله الملاك الأول:” كيف تخلق هذا العالم؟”.
أما الثاني فسأل قائلاً:” لماذا تخلق العالم؟”.
ودنا الملاك الثالث من الله قائلاً:” هل يمكنني تقديم يد العون؟”.
ثم جاء الرابع ليدلي بسؤاله قائلاً:” بماذا يفيدك ان تخلق هذا العالم؟”.
فكان الاول عالماً، والثاني فيلسوفاً، والثالث محبّاً للغير، والرابع وكيل عقارات.
وكان هناك ملاك خامس يراقب بدهشة، مصفقاً بأجنحته فرحاً. وهذا الملاك كان صوفياً.
يحلو لي التكلم عن صوفية الحب. فانا لا أريد التطرق لمفهوم الصوفية التقني، بل أريد ان احصر الموضوع بالشعور الصوفي الذي يجعل الحب جناحاً دافئاً يحتضن القلب التائق للألفة المقدسة. يعجز العقل البشري عن وصف الحب الصوفي، فهو لمسة إلهية خالقة، تجعل القلب ماثلاً في فردوس الحب. إنه شعور داخلي بالغبطة والفرح حتى لو كان واقع الإنسان أليماً او كاسراً.
علمتنا الحضارة ان الإتحاد المادي بين الأجساد يثير اللذة، ولكن الحب الصوفي يعلمنا أن الإتحاد الروحي في الكيان يثير لذة اللقاء بين الأرواح ببراءة وتجاوز لكل اطر المادة الخانقة.
تاملتُ الإنجيل ووجدتُ مشهداً خلاقاً للحب الصوفي، حب القداسة الذي أفعم قلب مريم اخت لعازر بكلمة المعلم الخالقة، إنه حب قاد مريم ان تولدَ من أذنيها عبر السماع. مشهد آخر يعلمني معنى الحب الصوفي، ما كان بين يوحنا الحبيب ويسوع المخلص، إنه حب صوفي تسامى في حضن الصداقة، ليعلم البشرية معنى التلمذة الحقة! لقد دفعت الصوفية يوحنا الى ان يمسح أسمه ويضع بدلاً عنه جملة صوفية تقول :” التلميذ الذي أحبه يسوع!”.
في غمرة تأملاتنا اليومية وصلاتنا المتواصلة، يجدر بنا ان نربط بين مريم اخت لعازر ويوحنا الحبيب، أي أن يكون لدينا أذناً صوفية نسمع من خلالها كلام الرب بحب وإحساس، وقلباً متأملاً بحب الصداقة الروحية مع يسوع.
فطوبى لكل من يسمع كلمة الرب يومياً، ويتأملها في قلبه مثلما فعلت أمنا القديسة مريم، ويجسد هذه الكلمة في حب صوفي يتوجه نحو السماء، ونحو الآحر ونحو الذات بنعمة الرب الحي يسوع المسيح!
(من تأملات الأب. صميم باليوس)
اضف رد