فكيف يسمع كل واحد منا لغته التي ولد فيها
هناك حدث هام جدا تمّ يوم العنصرة وهو ” تفاهم البشر”. فحين امتلأ التلاميذ يوم الخمسين من الروح القدس ” طفقوا يتكلمون … وتحير الجمهو رالمجتمع من كل أمة على وجه الأرض وقالوا: كيف نسمع كل منا لغته التي ولد فيها؟ ”
أليس كل هؤلاء الرسل المتكلمين جليليين ؟
كيف فهم كل المجتمعين وهم يتكلمون بلغات عديدة مختلفة كلام الرسل يوم العنصرة؟ هناك احتمالات عدة:
أولا : ان المجتمعين بفضل الروح القدس فهموا كلهم لغة الرسل الواحدة ( الجليلية العبرية).
ثانيا : ان كل رسول صار يتكلم بنعمة الروح القدس لغات تلك الأمم.
ثالثا : كان هناك نوع من الأعجوبة (ترجمة فورية) بحيث ترجم ما يقوله الرسول بالعبرية إلى اللغات المختلفة .
أما النص الكتابي فيقول: ” وطفقوا يتكلمون بلغات كما أعطاهم الروح أن ينطقوا!) بداية وللوهلة الأولى يظهر بأن الاحتمال الثاني هو الوارد. أي أن كل رسول صار بفاعلية الروح يتكلم لغات مختلفة.
هناك تفسير آبائي يعتمد على القسم الثاني من الآية.
أي على ” كما أعطاهم الروح أن ينطقوا ! ” ماذا جرى إذن ؟ وكيف نفهم هذا التفاهم الفوري؟ هل هناك لغة جديدة لا تؤثر عليها “الألسن” البشرية المختلفة والعديدة، وبهذه اللغة نطق الروح في الرسل ؟ الجواب هو نعم ! عندما حل الروح القدس وامتلأ التلاميذ روحا، تكلموا بالطبع بلغتهم التي رَوحَنَها الروح وتفاهم الجميع معهم وفهموا عليهم. إنها حالة الترجمة، روحية مباشرة.
يتكلم القديسون لغة واحدة رغم تفاسير الألسنة واللغات. نظرة سريعة على تقليدنا الكنسي توضح لنا كيف تكلم القديسون كلاما واحدا وكل بلغته الخاصة. هذه حالات استثنائية تفترض أن يمتلئ الشخص من الروح القدس. هذا ما تمّ يوم العنصرة ويمكن أن يتم أي يوم في “ملء الروح”. ” بابل” وحدث ” العلية”. بين ” تبلبل الألسنة واللغات ” في بابل وبين أن يفهم كل منا بلغته الخاصة”.
عندما تزايدت شرور البشر وطردوا الروح وتمسكوا إنما بالجسد. يقول الكتاب، شاء الله أن يختلف الناس بلغاتهم ويتفرقون إلى شعوب وأمم لا تتفاهم الواحدة مع الأخرى.
في بابل تمّ التمزيق البشري، في العنصرة ” الاتحاد”. عالمنا اليوم مشدود من الطرفين، بين التمزق وعدم التفاهم وبين الوحدة والتآخي.
لماذا تتعدد الألسنة وينقطع التفاهم؟ هناك أناس لهم المفاهيم ذاتها ولكن بسبب لغاتهم المختلفة لا يستطيعون أن يتفاهموا .
وهناك أناس لغتهم واحدة ولكن مفاهيمهم متغايرة، وهؤلاء أيضا لا يتفاهمون. ما تم في العنصرة هو ان الامتلاء من الروح غلب تعدد اللغات، ان الوحدة بالروح حققت التفاهم رغم تغاير اللغات .
تتعدد الألسنة ويتوقف التفاهم بالأساس بسبب من تغاير الغايات بين البشر واختلافها .
أسباب التمزق البشري وقطع التواصل عديدة وأهمها الايديولوجيات المختلفة والمتنوعة، والتي تظهر فيها السياسة والدين وجذور الحضارات الانسانية. فينعت تيارالآخر “بالضلال” وينصّب تيار ذاته كال” الهادي “.
وتتسابق وتتصارع التيارات في اقتناص الأسماء الرنانة فتفرّق وتصنّف وتمزّق.
وحين تتضارب المصالح، بعد تعدد الايديولوجيات، فإن اللغة الحقيقية المبطنة وراء سور كل اللغات هي لغة المكر والرياء. كيف سيتّحد الناس ولا تجمعهم المحبة؟ هنا نلاحظ فكر الاعلام والدعاية وهي قادرة أن تقيم الباطل وتهدم الحق .
ولغة الدعاية لا توحّد يوما بين الناس بل تخضع طرفا لآخر وتقيم الأول على الثاني، دون أن تكون الحقيقة دائما هي المعيار ، بل السلطة فيها للقوي والقادر.
الروح يقود إلى “اتحاد واحد ” تقول ترنيمة العيد. نحن اليوم بحاجة إلى عنصرة وليس إلى دعايات وإيديولوجيات.
لشهادة الكنيسة الحية التي هي فعل عنصرة دائمة.
العنصرة هي كمال التدبير الالهي، لقد تجسد يسوع ومات وقام ليؤسس كنيسته التي هي مكان ارسال الروح القدس.
غاية الكنيسة هي تأهيل النفوس لسكب الروح. الكنيسة برج محبة نبنيه بدل برج بابل. روح المصالحة وأرواح الايديولوجيات لطالما مزقت البشر. أما روح الحق، الروح القدس، “يجمع الكل إلى اتحاد واحد “.
فيا أيها الملك السماوي المعزي روح الحق … هلم واسكن فينا.
أميـــــــــــــــــــــــــــن.
طروبارية عيد العنصرة:
“مبارك أنت أيها المسيح إلهنا
يا من أظهرت الصيادين غزيري الحكمة،
إذ سكبت عليهم الروح القدس.
وبهم المسكونة اقتنصت يا محب البشر المجد لك”
اضف رد